عبدالرحمن العشماوي : يا راحلاً عنَّا

يا راحلاً عنَّا

عبدالرحمن العشماوي

بعد رحيل شيخنا الحبيب عبدالله بن جبرين (رحمه الله) :
ما بين مرتحلٍ وبين مقيم


تجري الحياةُ بعمرنا المقسوم


تجري سفائنُها على بحر الرَّدَى


تشكو من الأمواج طولَ هجومِ


ما بينَ غارقةٍ وناجيةٍ ترى


فَرَحَ السَّعيد، ودمعةَ المكلومِ


ما أقصرَ الأعوامَ بين بدايةٍ


ونهايةٍ، ومصيرنا المحتوم


نستقبل الدنيا وفي أَنْفاسها


معنى بلوغ الروحِ للحلقومِ


يا رحلةَ الأيَّامِ، مازلنا نرى


خطواتنا في دربنا المرسومِ


فنحسُّ أنَّ العمرَ صفحةُ قارئٍ


تُمحى إذا سقَطَتْ من (التَّرقيم)


هذي بحار الموتِ يَرفد بعضُها


بعضاً فيّا سُفُنَ التَّصَبُّرِ، عُومي


خبرٌ تناقَلَه الرُّواةُ، وربَّما


ساقت لنا الأخبارُ جيشَ هموم


رَحَل (ابنُ جبرِين)، رويدَك إنَّه


خبرٌ وربِّ الكون جِدُّ أَليمِ


رحل ابن جبرينٍ رحيل مبجَّلِ


بشموخ محتسبٍ وعِلمِ عليمِ


ترك الحياة وقد أنار دروبَها


بجمال أخلاقٍ، ونَشْر علومِ


يا راحلاً عنَّا، أمامَك روضةٌ


من عَفْو غفَّارٍ، وجُودِ كريمِ


انظُرْ إلى خُضر الطيورِ تألَّقَتْ


في جنَّةِ المأوى ودارِ نعيمِ


لكأنَّني بالكأس تُمْلأُ بالرِّضا


ومِزاجُها المختومُ من تَسْنيم


وكأنني بالشيخ يشرب ما صَفَا


من نَبْعها ورحيقها المختومِ


أَمَلٌ مَزَجْتُ به الدعاءَ، وإنَّما


نرجو له فَوْزاً بعفوِ رَحيمِ


يا من كسّرْتَ حواجزَ الدنيا التي


تقسو على مُتَذبْذِبٍ مهزومِ


يا تاليَ القرآنِ في جُنْح الدُّجى


متهجِّداً متعلِّقاً بعظيمِ


للهِ دَرُّك، كم وقَفْتَ مصلِّياً


حتى يَهُزَّ الفجرُ غُصْنَ نسيمِ


تَمتدُّ رحلتُكَ الجميلةُ حُرَّةً


ما بين تكبيرٍ إلى تَسليم


كم جُزْتَ آفاقَ الخشوعِ محلِّقاً


متجاوزاً فيها حدودَ نُجوم


ولكم سَعَيْتَ مع الضَّعيفِ لحاجةٍ


سَعْياً يخفِّف لَوْعَةَ المهمومِ


ولكم مَسَحْتَ دموعَ أرملةٍ، وكم


كَفْكَفْتَ بالإحسانِ دَمْعَ يَتيمِ


كم طالبٍ للعلم جاءَك راغباً


يسعى إليكَ بلهفةِ المحرومِ


فمنحتَهُ من كَنْز علمكَ ثروةً


وسقيتَه بالعَزْم و (التَّصميمِ)


بَطَلُ العقيدةِ أنتَ، لم َتْترُكْ على


أبوابها أَثْراً لكفِّ سقيمِ


جاهدتَ دون صفائها ونقائها


وردَدْتَ عنها وَهْمَ كلِّ خَصيمِ


وصدَدْت عنها بِدْعَةً مشؤومةً


بُنِيَتْ على التَّلفيق والتَّهْويمِ


إني عرفتُك بالتواضُعِ شامخاً


مترفعاً عن سَفْسطاتِ خُصوم


يا راحلاً عنَّا، مكانُكَ لم يزلْ


فينا شِعَارَ العلم والتَّعليمِ


إنْ غيَّبَ الموتُ الكرامَ فإنَّهم


يبقون في عِز وفي تكريمِ


يبقونَ في أذهاننا الفجرَ الذي


ترتدُّ عنه جحافلُ التَّعتيم


فالشمسُ لا تخفى على أنظارنا


مهما تلبَّد أُفْقُها بغيومِ

http://www.al-jazirah.com/156718/fe29.htm

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال