الشيخ محمد الهبدان : العلامة ابن جبرين .. فقيد الأمة
الشيخ محمد الهبدان : العلامة ابن جبرين .. فقيد الأمة
الشيخ محمد الهبدان
ياسبحان الله اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم – كما عليه كثير منالمؤرخين - ، ومات فيه ؛ يموت فيه فضيلة شيخنا العلامة عبدالله بن عبدالرحمنالجبرين .
فالنبي صلى الله عليه وسلم مات ضحى يوم الاثنين وشيخنا مات ظهرالاثنين الموافق للعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة.. وكأنهارسالة مبطنة للأمة توصيها بالصبر على المصاب ..
فإن كان فقد الشيخ عظيما ففَقْدُ رسول الله صلى الله عليه وسلمأعظم . ومن أصابته مصيبة فليتذكر مصيبته فيه عليه الصلاة والسلام.
نعم .. إن العلماء ورثة الأنبياء والمصيبة في فقدهم عظيمة ؛ لالذاتهم ولكن لهذا العلم الذي فُقد بفقده.. يقول انس رضي الله عنه : قال أبو بكر بعدوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم ايمن نزورها كما كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها ما يبكيك ؟ ما عندالله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم !!
فقالت : ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول اللهصلى الله عليه وسلم لكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء !! فهيجتهما على البكاء ..فجعلا يبكيان معها ))
فهذه المرأة رغم بساطتها إلا إنها تحس قيمة الوحي الإلهي فكيف لانشعر نحن بقيمة العلماء الذين هم نجوم السماء ..وزينة الأرض وموتهم يعد ثلمة كماقال الحسن البصري رحمه الله : ( كانوا يقولون موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدهاشيء ما اختلف الليل والنهار )
إننا حينما نبكي على شيخنا ؛ فإننا نبكي العلم الذي فقدناه ، نبكيدماثة الخلق، نبكي السماحة والكرم، نبكي التواضع الجم ، نبكي الزهد والورع ، نبكيالسد الشامخ في وجه أهل الشبهات والشهوات .
لا أنسى دروس الشيخ في الجامع الكبير قبل أن يهدم .. لا أنسىحينما أردت أن أُقبل رأسه فوضع يمناه على رقبتي ليمنعني من ذلك.. بل ويمنع الكثيرمن طلاب العلم ، لا أنسى موقفه مع العلامة عبدالرحمن البراك وكل واحد منهما يريد أنيقبل رأس الآخر ؛ بكل تواضع وخفض جناح .
لا أنسى الشفاعات التي ترد إلى الكثير من العلماء وطلبة العلمبتوقيع الشيخ يشفع في قضاء حوائجهم ، وكيف أنسى تلك الدورة العلمية المقامة فيجامعنا -جامع العز بن عبدالسلام – وكان من ضمن المشاركين فيها شيخنا ابن جبرين ـرحمه الله ـ فكان يحضر قبل الطلاب ونجلس أحيانا حتى يأتي أعداد من طلاب العلم ثمأبدأ بالقراءة عليه من كتاب الإيمان من صحيح البخاري !!.
لم يعتذر بقلة الحضور وهو الذي يسكن في جنوب الرياض ونحن في شرقهلمدة أسبوع كامل!!
لن أنسى بيته العامر حينما زرته بعد صلاة العصر ووجدت البيت يدخلفيه الناس زرافات ووحدانا .. كل له حاجته .. وكل له طلبته..والشيخ يستقبل الجميعبرحابة صدر ..وسعة بال !!
لن أنسى تنقلات الشيخ من مسجد إلى مسجد لإلقاء الدروس العلميةوطلابه يتنقلون حيث انتقل الشيخ .. يفعل هذا بلا كلل أو ملل من أول النهار إلى آخره !!
لن أنسى طأطأة رأسه فأقول في نفسي قد نام الشيخ فلا أشعر إلاوالشيخ يصحح للقارئ قراءته، فإذا انتهى من القراءة كرّ الشيخ على المتن يشرح ويدللمن حافظة قوية وذهن ثاقب .. تتعجب منه مع كثرة الدروس وتنوع العلوم ومع ذلك تخرجمنه الدرر البهية والنفائس العلمية ..فأقول في نفسي متى يحضر الشيخ لكل هذه الدروسوهي تبدأ من الصباح إلى المساء !!
لن أنسى الشيخ وهو يتحدث وتتحدر منه النصوص الشرعية والأبياتالأدبية بدون تكلف وعناء كأنه ينظر إليها بعينه فيختار منها ما يشاء ويترك منها مايريد ! لا أستطيع أن أذكر كل شيء، ويكلّ القلم في ذلك ..
لكن نشهد الله تعالى أن الشيخ قد استفرغ وقته للدعوة إلى اللهتعالى وتدريس العلوم في أنحاء هذه البلاد المباركة شرقا وغربا .. ولا نزكي على اللهأحدا .
فاللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها .. واغفر اللهملشيخنا وأسكنه فسيح جناتك يا رب العالمين .
أضف تعليق