ابن جبرين مكتبة متنقلة تنير العقول وتهـــــــــدي الحائرين


ويصف علماء وطلبة علم فقد الشيخ ابن جبرين بأنه خسارة كبيرة للعلم، وأن وفاته ستترك فراغاً عريضاً لدى طلابه ومحبيه الكثيرون الذين ينتشرون في أماكن كثيرة من العالم، مشيرين إلى أن الأمة قد فقدت بموته عالماً قضى حياته في طلب العلم وتدريسه، ووصفه بعضهم بأنه كان مكتبة علمية متنقلة تنير عقول الطلاب وتهدي الحائرين إلى الطريق الحق، وأشاد بعضهم بتواضعه الجم وزهده في المناصب وأحوال الدنيا، وأنه كان في حياته وفي تدريسه على سليقته غير متكلف ولا متصنع. لذلك فقد أتعب العلماء من بعده بعلمه, وخلقه, وتواضعه, وتفانيه في الدعوة إلى الله تعالى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأكد من استطلعت "الرسالة" آراءهم أن الشيخ استطاع بما يملك من مكونات شخصيته أن يحمل الناس على حبه رغماً عنهم, فأحبوه من كل قلوبهم, فكان العالم المفتي, والأب المربي, والواعظ المشفق, كل ذلك لما يملكه من صفات عظيمة تستعصي عن الوجود إلا في حالات استثنائية.
فراغاً عريضاً
من جانبه وصف الدكتور الشريف حاتم العوني موت الشيخ عبد الله بن جبرين بالخسارة الفادحة للعلم والعلماء، وقال: لا شك أن وفاة الشيخ ابن جبرين رحمة الله عليه ستترك فراغاً كبيراً لدى طلابه ومحبيه الكثيرين، فقد فرغ نفسه لدروسه وخصَّص عامة وقته لها، وكان مضرب المثل في ذلك. فأسأل الله له الرحمة وأن يشمله بعفوه وغفرانه، وأن يخلف طلابه ومحبيه فيه خيراً.
عالم متفرد
ويعبِّر الشيخ علي حريصي عن شعوره بالحزن الشديد على وفاة الشيخ عبد الله بن جبرين، ويقول: منذ أن علمت بوفاة الشيخ حزنت حزنا شديدا وتأثرت تأثيراً بالغاً بفقدان هذا العالم الجليل لكن هذا قضاء الله وقدره، ولكنها بلا شك فاجعة علينا وعلى الأمة الإسلامية، لأننا فقدنا عالماً فذاً قضى حياته في طلب العلم والتعليم وأسأل الله عز وجل أن يسكنه أعلى الجنات.والأمة الإسلامية افتقدت لهذا العالم الذي لم نجد في هذا العصر مثيلاً له، فالعالم في الأمة كالنور يستضاء به وأي أمة ليس فيها عالم فهي في ظلام. قدم الشيخ الكثير من المؤلفات والمحاضرات التي أفادت الأمة والمجتمع وامتد نفعها إلى معظم العالم الإسلامي، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتفقده برحمته وأن يسكنه فسيح جناته.
أوعية العلم
ومن جانب آخر قال الدكتور عبد العزيز الحربي إن الشيخ العلامة ابن جبرين عالم من علماء الآخرة، الذين زهدوا فيما عند الناس فأحبهم الناس. كان رحمه الله معروفاً بنقاء السريرة، وسلامة النيّة، ومن أوعية العلم الذين انتفع بهم كثير من الطلبة، لاسيما في الفقه والعقيدة، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه واسع الجِنان .
ولعله من المفيد هنا أن أشير إلى أن كلمة (جبرين) هي لغة في (جبريل) كما قالوا في إسماعيل: (اسماعين) وفي إسرافيل :(إسرافين) وفيه أكثر من عشر لغات، هذه إحداها .
مكتبة متنقلة
ويقول الدكتور يوسف بن أحمد القاسم أستاذ الفقه المساعد بالمعهد العالي للقضاء: الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين صفحة بيضاء من صفحات التاريخ العلمي المعاصر, صفحة طويت وبقي أثرها, طويت وبقي تراثها, لقد كان رحمه الله مكتبة علمية متنقلة, تزخر بالعديد من الفنون, تنير العقول, وتهدي الحائرين, بما يتمتع به من علم واسع, وخلق فاضل, وأدب جم, توفي الشيخ وترك تركة علمية ضخمة, تستدعي من أقاربه وطلابه أن يحفظوا هذا التراث, لأنه الوقف الذي ينتفع به بعد وفاته (أو علم ينتفع به) وهم إن شاء الله على مستوى الهم والمسئولية. وبموت الشيخ فقده كثيرون، فقدته الأرامل واليتامى، وفقده الفقراء والمساكين، وفقده طلاب العلم وأهله، والمسلمون في طول العالم وعرضه ولاغرو، فالعلماء هم مشعل الأمة ونورها المضيء، ومتى انطفأ النور عاش الناس في ظلمة وحيرة. لقد كان رحمه الله قدوة في العلم، وآية في التواضع، ونبراساً في الزهد والورع! ومع هذا كله لم يكن تواضعه وزهده وورعه متكلفا، بل كان على السليقة وبعفوية تأسر النفوس! وهذا الذي تنقطع دونه الهمم والغايات. ومضى القاسم قائلاً: لقد أتعب من بعده من العلماء بعلمه, وخلقه, وتواضعه, وزهده, وورعه, وتفانيه في الدعوة إلى الله تعالى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, حتى أمّه الناس من كل ناحية, وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم! بل أضحت فتاواه من العيار الثقيل, أعني في تأثيرها وثقلها وقبول الناس بها, وهذا شأن العالم الرباني الذي يأسر النفوس بعلمه, وصفاته الحميدة, فلم يكن من الذين يقولون ما لا يفعلون, بل كان رحمه الله من الذين يفعلون ثم يقولون, فكان فعله يسبق قوله, وهذه علامة الصدق مع الله ومع الناس.لقد استطاع الشيخ بما يملك من مقومات الحب أن يحمل الناس على حبه رغما عنهم, فأحبوه من كل قلوبهم, فكان العالم المفتي, والأب المربي, والواعظ المشفق, كل ذلك لما يملكه من صفات عظيمة تستعصي عن الوجود إلا في حالات استثنائية، ربما كحالة الشيخ وأشباهه ممن يندر أن يجود الزمان بمثلهم. فنسأل الله تعالى أن يتغمد الشيخ بواسع رحمته, وأن يرفع درجته في المهديين, وان يجعله في عليين, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
هيبة ووقار
وبدوره يقول الشيخ عبد العزيز عبد الله الحاج المدرس بمعهد الحرم المكي الشريف: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شيخ يموت بموته خلق كثير، صدق الله إذ يقول: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )، وانتقاصها بقبض علمائها الربانين الذين أحسب أن شيخنا العلامة عبد الله بن جبرين تغمده الله بواسع رحمته منهم،وعزاءنا أنه ذهب إلى جوار خير من جوارنا، وما أحسن قول أبي الحسن التهامي يعزي نفسه في ولده لما مات:
جاورت أعدائي وجاور ربه *** شتان بين جواره وجواري
ولقد عرفت شيخنا منذ مدة ليست باليسيرة وكانت أول مقابلة لي به أن زرته في مكتبه إبان عمله في دار الإفتاء وقد والله هبته لجلال طلعته وهيبة جلسته فقد كان يجلس على كرسيه محتبياً جلسة الخاشع المتواضع، ثم يسر الله أن لزمت دروسه الصيفية في الرياض وكانت في الفقه، واذكر أني لم أفهم مسائل الربا إلا منه رحمه الله، فقد كان في دروسه سهل العبارة مقتصراً على حل المسائل من غير تطويل ولا تعقيد، ولا أدل على إمامة شيخنا رحمه الله من تلك الفتاوى التي ملأت الدنيا وأذعن لها الموافق والمخالف لما فيها من فقه للشريعة واضطلاع بمقاصدها ومراعاة للأحوال والمتغيرات فرحم الله شيخنا رحمة واسعة ورفع درجته في المهديين وخلفه في عقبه في الغابرين.

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال