من علامات الساعة موت العلماء

إنا لله وإنا إليه راجعون، بسم الله الرحمن الرحيم {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} انتقل إلى رحمة الله تعالى شيخنا وإمامنا ووالدنا الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الاثنين 1430/7/20هـ وصلي عليه ظهر يوم الثلاثاء 1430/7/21هـ في جامع الإمام تركي بن عبد الله (الجامع الكبير) بالرياض ودفن في مقبرة العود، نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء وأن يجعله مع السفرة الكرام البررة في الفردوس الأعلى من الجنة إنه ولي ذلك والقادر عليه، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي الله وإنا لفراق العلماء الربانيين لمحزونون، نسأل الله أن يرحم شيخنا وأن يجعل قبره روضه من رياض الجنة وأن يبارك في هذه الأمة وأن يجعلها أمة خير دائما، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير وخالص تعازينا للملكة السعودية حكومة وشعباً وللأمة الإسلامية جميعاً.

نسبه

هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين، يرجع نسبه إلى قبيلة بني زيد.

مولده

ولد في بلدة محيرقة بالقويعية التي تبعد عن الرياض 180 كم سنة 1349 هـ.

نشأته وطلبه للعلم

بعد أن أكمل سنته الأولى انتقل به والده إلى الرين وهناك ابتدأ به والده التعليم في سنة (1358 هـ)، فتعلم القراءة والكتابة حتى سنة (1364هـ)، ثم ابتدأ في الحفظ فحفظ بعض القرآن أو بالأخص الثلث الأخير منه، وبقي يقرأ على والده الشيخ عبدالرحمن في عمدة الحديث والأربعين النووية وبعض مبادئ العلوم. وفي سنة سبع وستين طلب من فضيلة الشيخ عبد العزيز الشثري - رحمه الله - أن يأذن له بالقراءة عليه، فلم يجبه حتى يحفظ القرآن كله، فعكف على حفظ القرآن حتى أتقنه وحفظه في آخر تلك السنة، ثم ابتدأ في القراءة على الشيخ عبد العزيز حيث كان يقرأ بعد الفجر، ثم في الضحى، ثم بعد العصر نحو ساعة، ثم بعد المغرب إلى أذان العشاء، وتنوع - حفظه الله - في قراءة الكتب، فقرأ في المختصرات مثل: زاد المستقنع، وعمدة الأحكام، والأربعين النووية، وكتاب التوحيد، وثلاثة الأصول، وشروط الصلاة، وآداب المشي إلى الصلاة، والعقيدة الواسطية، والحموية، وقرأ في النحو متن الآجرومية، وفي الفرائض متن الرحبية، وهكذا قرأ في الشروح والمطولات، وقرأ سبل السلام، وشرح الأربعين النووية لابن رجب، وتاريخ ابن كثير وتفسيره، وتفسير ابن جرير الطبري، وشرح مسائل الجاهلية لمحمود الألوسي العراقي وتفسير النيسابوري المسمى: غرائب القرآن، والكثير من الشروح والمؤلفات المخطوطة والمطبوعة.

وفي أثناء هذه القراءة كان يتعاهد حفظ القرآن، ويصلي في غيبة والده بالمسجد الكبير جمعة وجماعة.

سفره في طلب العلم

سافر الشيخ إلى الرياض سنة (1374 هـ) مع شيخه حين انتقل إلى هناك، ومن هناك انتظم في معهد إمام الدعوة، وقرأ على جمع من المشايخ، وعلى رأسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - مفتي الديار السعودية سابقا في الحديث، والنحو، والصرف، والمصطلح، وأصول الفقه، وعلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى - في أصول الفقه، وفي بلوغ المرام. كما قرأ على مشايخ آخرين ممن يدرسون العلوم الشرعية في معهد إمام الدعوة.

المناصب التي تولاها الشيخ رحمه الله

بعد أن أنهى الشيخ دراسته في معهد إمام الدعوة بالرياض سنة (1381هـ) عُيِّن مدرسا في المعهد نفسه، وتولى التدريس به إلى أن انتقل من ذلك المعهد إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث عين مدرسا في كلية الشريعة وأصول الدين عام (1395 هـ) وذلك قبل فصل الكليتين عن بعض، وأصبح عضوا من أعضاء القسم، وأشرف على عدة رسائل في الماجستير في تلك السنوات.

وفي سنة (1402 هـ) عُيِّن عضوا للإفتاء في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء قرب شيخه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ثم أحيل للتقاعد في شهر رجب عام (1418 هـ) حفظه الله ورعاه.

وحصل الشيخ على شهادة الماجستير من المعهد العالي للقضاء في عام (1390 هـ) في رسالة (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) بتقدير امتياز، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في عام (1407 هـ) إلى تحقيق (شرح الزركشي على مختصر الخرقي) تحقيق وتخريج، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، سبعة مجلدات، وهي مطبوعة الآن وتباع في الأسواق.

جدول الشيخ اليومي

يبدأ جدول فضيلته كالتالي:

* من بعد صلاة الفجر: بإلقاء درس في أحد المساجد حتى طلوع الشمس، ثم يعود إلى منزله للاستراحة، ثم يذهب إلى إدارة البحوث العلمية والإفتاء، وهناك يبدأ بالإجابة عن أسئلة الناس الذين يأتون للسؤال عن أمور دينهم، فتراه -حفظه الله - لا يكل ولا يمل رغم ازدحام الناس عليه، يساعد من يحتاج المساعدة، ويشفع لمن هو أهل للشفاعة، ويرد على اتصالات المستفتين، فهاتفه لا يسكت عن الرنين وهذا حاله حتى انتهاء الدوام.

ويقول بعض تلاميذ الشيخ رحمه الله: كم من المرات أراه آخر من يخرج من الإفتاء، بل يقوم بإطفاء الأنوار التي في طريقه حرصا منه.

* وبعد العصر: منزله مفتوح للجميع يفتي الناس في أمور دينهم، ويوجه من يريد التوجيه، ويكتب شفاعة للمحتاجين لمن ثبت عنده أنه محتاج حتى أذان المغرب، ثم ينطلق إلى أحد مساجد الرياض لإلقاء درس من الدروس الأسبوعية.

علما أن الشيخ - حفظه الله وأجزل له المثوبة - له أحد عشر درسا في الأسبوع، ثم بعد العشاء يتوجه إلى مسجد آخر إما لإلقاء درس أو محاضرة أو ندوة، وهكذا يكون جدول الشيخ اليومي حافلا بالدعوة إلى الله طوال أيام الأسبوع رفع الله درجته.

ما تميز به الشيخ

كان يعرف الشيخ - رحمه الله - بتواضعه الكبير فهو دائما صامت قليل الكلام، لا يتكلم إلا إذ سئل عن مسألة، إذا خالفه أحد العلماء في فتوى أو حكم شرعي، فإنه يقول: فلان عالم ونحترم علمه، ولا يعنف عليه في الرد. وإذا دعي لإلقاء محاضرة أو درس في أي مكان فإنه لا يرد الداعي إذا لم يكن ملتزما بموعد أو ارتباط، يحسن الظن ولا يحمل على أحد من أهل السنة والجماعة حقدا أو حسدا - أحسبه كذلك والله حسيبه - متواضع في كل شيء، يحبه كل من يعرفه لسعة صدره ورحابته، لا يرد الطلاب أو المستفتين أو المحتاجين، يقوم بأداء حوائجهم بنفسه، وقته كله عمل لله ولدينه، وحياته عامرة إما بقول الله أو بقول رسوله - صلى الله عليه وسلم: أن شيخنا - حفظه الله- ما أعطي هذه الرفعة والمكانة بين الناس إلا لشدة تواضعه، مصداقا للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم والترمذي وأحمد (من تواضع لله رفعه) فكيف بشخص أعطي العلم والورع والتواضع - رحم الله شيخنا العلامة بن جبرين ونسأل الله له المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

تاريخ النشر 17/07/2009
http://www.alwatan.com.kw/Default.as...icle_id=522896

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال