منبر مسجد قباء يرثي سماحة الشيخ عبدالله ابن جبرين

تبين لكل من يعقل أن وجود الراسخين في العلم في الأمة رحمة من الله جل وعلا بالأمة، كما أن فقدهم ووفاتهم مصيبة وأي مصيبة، وإن كان دين الله ليس بقائه معلقا بحياة أحد ، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ) ، فدين الله جل وعلا ليس بقائه معلقا بحياة أحد كائن من كان، وإلا لذهب الدين يوم وفاة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، لكن فقد العلماء الربانيين والراسخين من العلماء ، يحدث في الأمة ثلمه، ويحدث في القلوب حسرة، ويجعل المؤمنين الصالحين يعملون جاهدين على أن يخلف الله جل وعلا الأمة عنهم بخير، وقبل أيام من جمعتنا هذه، توفي أحد علماء الأمة الربانيين وأجلائها الراسخين في العلم ـ كذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحداً ـ هو شيخنا الإمام الجليل عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين غفر الله له ورحمه ، ليس المقام أيها المؤمنون مقام ثناء وتأبين فالمنبر جليل ، لكن المقام مقام تتبع لحياة الأئمة الراسخين ، وقد كان الشيخ رحمه الله واحداً من الأئمة الكبار والعلماء الأبرار بإجماع الناس، في سلف الأمة لما مات عطاء بن أبي رباح رحمه الله ، وهو أحد كبار العلماء السلف قال الناس يوم مات: مات عطاء وهو أرضا الناس للناس، كان عطاء يدخل على الخلفاء فيحبونه ويجلونه، ويدخل على العلماء فيعرفون قدره، ويلتف حوله طلبة العلم يأخذون عنه، ويحبه عامة المؤمنين صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، مع أن العلم والنصح للناس والقيام بواجب الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ربما يحدث ذلك للشخص بعض العداوات ، لكن الله أفاء على عطاء بما أفاء عليه أيام حياته فلما مات قال الناس: مات عطاء وهو أرضى الناس للناس، ولقد تذكرت هذا، يوم أن مرض الشيخ ابن جبرين رحمه الله ويوم أن مات وحين دفن وصلي قبل ذلك عليه، ففي مرضه يزوره ولي أمر المسلمين، والعلماء الربانيون وطلبة العلم وعامة المؤمنين، وفي يوم موته يعلن الديوان الملكي النبأ، ويحضر الوفاة العلماء والأمراء والمشائخ والكبار والصغار من الناس، عامة المؤمنين يعرفون أن للشيخ حقاً عظيم عليهم، فيأتون لا لدينار ولا درهم ، ولم يجمعهم لهوٌ ولا عبث إنما جمعوا تحت سقف مسجد، وفي أفياء مقبرة، كل ذلك إجلالاً وقياماً بالواجب نحو رجل وعالم عظيم يرون أنه قدم ما آتاه الله جل وعلا من علم للناس . أيها المؤمنون : نشر الدين والدعوة إليه هو حياة الأنبياء حكاه الله عن نوح وحكاه الله عن الأنبياء والرسل من بعده، ولا نزكي على الله أحداً فقلما مدينة أو محافظة إلا ودخلها الشيخ رحمه الله يبلغ للناس دعوة ربه وينشر ما أفائه الله جل وعلا عليه من علم، واليوم أيها المبارك حتى تتأسى أنت ترى ، مات الشيخ وذهبت مشقة الخطوات ونصب الأسفار ، وبقي ما أنتفع الناس به من علم، من الوصية بتقوى الله وإجلاله وامتثال أمره ونواهيه تبارك وتعالى، ونرجو الله أن يكون قد كتب للشيخ تلك الخطوات ونصب تلك الأسفار، وأن يلقاها عنده (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) . أيها المؤمنون : التواضع فضيلة عظماء يرفع الله أهلها وأثناء على المتحلين بها، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان عظيم الشأن فيها سفراً وحضراً مع القريب والبعيد، فهو صلى الله عليه وسلم يكون في بيته في مهنة أهله، وإذا جلس؛ جلس صلى الله عليه وسلم حيث انتهى به المجلس ، فإذا مدح قال : ( إنما أنا عبد فقولوا: عبدالله ورسوله )، وإذا جلس على طعام قال: ( أنا عبد وأجلس كما يجلس العبد )، وإذا وقفوا حوله قال لأصحابه: ( لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً )، ورث العلماء الربانيون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخلق الجليل وإن كانت الأمة كلها ملوكاً وعامة في حاجة إليه، وورث الشيخ رحمه الله في جملة من ورث هذا الفضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعلماء ورثة الأنبياء، فكان الشيخ رحمه الله ينهى طلبته وعامة الناس من تعظيمه والمبالغة في السلام عليه ، ويجيب دعوتهم ، ويدخل بيوتهم، ويتنقل بين القرى والهجر المنقطعة قبل أن يتنقل بين المدن والمحافظات المعروفة، ولا يصنع هذا غالباً إلا المتواضعون، والسرائر أمرها إلى الله ، لكن نسأل الله جل وعلا أن يكون الشيخ رحمه الله قد أفضى إلى ربه وهو صادق العلانية وصادق السريرة والعباد شهود الله جل وعلا في أرضه . أيها المؤمنون : الدعوة الحقة لا تكون إلا بمشكاة الوحيين ، بالكتاب والسنة لا تكون بغيرهما البتة، قال جل وعلا : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) ، والشيخ رحمه الله نهل من العلم صغيراً ثم علمه كبيراً، ولم يحد يوماً من الدهر فيما نعلم عن الدعوة إلى الله بغير مشكاة الوحيين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا جلس للتدريس جلس يعلم العلم الحق والرحيق البين ، وإذا قام للدعوة أو خطب أو وعظ اتكاء على مشكاة الوحيين من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو ما ينبغي على العلماء وطلبة العلم أن يلزموه، فلا دعوة إلى الله تبارك وتعالى إلا بما دعاء إليه رسولنا صلوات الله وسلامه عليه .

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال