حمدان بن أحمد : المنهج الرصين في حياة بن جبرين (رحمه الله)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد

فلقد فقدت الأمة عالماً جليلاً، وفقيهاً عابداً ، قل أن يوجد له مثيل في هذا الزمن ،الذي يندر فيه العلم ويكثر فيه الجهل، حيث أن العلم ليس بكثرة الصناعات والمخترعات ، فهذه علوم الحياة الفانية قال تعالى عن الكفار (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم( 7) وإنما العلم الحقيقي هو العلم الشرعي الذي يؤدي إلى معرفة العبد لربه وخالقه ، ولمعرفته لدينه ونبيه ، (‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) ولولا هذا العلم لم ترسل الرسل ولم تنزل الكتب ، ولتُرك الناس للتجارب والخبرات ، حيث أنها هي التي تشكل العلم الدنيوي ، ولكن لأن الناس بحاجة لما هو أشرف من ذلك ألا وهو العلم الحقيقي الشرعي الرباني كان إرسال الرسل وإنزال الكتب ، لتحيا به القلوب وتستنير به العقول ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ   ) الأنعام (122) ولقد شرف الله تعالى العلماء بحمل لواء هذا العلم ، فهم ورثة الأنبياء ، وهم مصابيح الدجى وهم كالنجوم في السماء ، بهم يُرفع الجهل ويكثر العلم ، ومنهم يستمد الأدب والورع والزهد والفضل ، كيف لا وقدوتهم من لاينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، صلوات الله وسلامه عليه ، الذي كان خلقه القرآن ، نعم إن العلماء هم صمام الأمان للأمة ، بفقدهم ينهدم البناء ويفرح الأعداء ويكثر الجهال ويسود أهل الضلال ، وفي الحديث (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جهال فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا ) ويقول الحسن رحمه الله : إنه بموت العالم يثلم في الإسلام ثلمة لاتسد ، ولقد فقدت الأمة سماحة الشيخ عبدالله بن جبرين نسأل الله أن يرحمه وأن يجبر مصاب أبنائه ومحبيه ومصابنا بفقده وأن يخلف على الأمة بخير ، فقد كان الشيخ بحراً لا ساحل له ، فهو عالم بالعقيدة وعالم بالفقه وعالم بالفرائض ، حتى أن الشيخ بن باز رحمه الله كان يرسل إليه ببعض المسائل الفرضية فيقوم على حلها رحمه الله ،وقد كان الشيخ يذهب للدعوة إلى الله في كل مكان من المملكة ، بل كان يلقي درساً في الجنوب وفي اليوم التالي في الشمال ، وقد تشرفت بصحبة الشيخ رحمه الله أثناء زيارته للجنوب وكنا نتعب من ملاحقة دروسه ونحن شباب وهو الذي يلقي الدروس ولا يكل ولا يمل ، إنها منحة من الله تعالى لهذا الرجل المجدد الذي كان يصدع بالحق لاتأخذه في الله لومة لائم ، مع ذلك كله كان ذا توضع جم وسلامة صدر وسرعة بديهة وفقه معاصر ، وكان شديداً على أهل البدع وبالأخص الرافضة فكان شوكة في حلوقهم ، حتى أنهم من بغضهم له لم يسلم من شرهم وهو على سرير المرض ، وكان للشيخ جهود كبيره في الإصلاح بين الناس ولم شمل الأمة والحث على السمع والطاعة لولاة الأمر حفظهم الله ، مع ماكان يجده من حساده من الوشاية والتشوية ، وقد كان يحظى بمنزلة عالية لدى الحكام في المملكة فقد زاره الملك حفظه الله في مرضه وأمر بعلاجه على نفقته الخاصة ، ومن العجيب أن تهتم بعض الصحف بالفنانين واللاعبين والممثلين ولم تكلف نفسها أن تتشرف بعرض سيرة مختصرة للشيخ رحمه الله ومن تلك الصحف جريدة معروفة باتجاهها العلماني ونقلها لكل خبر سيء  حيث  تسارع بنقل الأخبار التي تتعارض مع الدين وتجرح شعور المسلمين وتتناسى وتتجاهل العلماء الربانيين والله المستعان ، إن عزاءنا في فقد الشيخ هو ما خلفه من هذا العلم الغزير وهذه الثروة العظيمة من الفتاوى والمؤلفات التي نسأل الله أن ينفع بها ، وإني أدعوا نفسي وإخواني أن نحذو حذو الشيخ في الدعوة والعلم والصبر والحكمة ، فإن الله تعالى سيجعل في الأمة الخير بإذن الله ، لأن أمة الإسلام أمة ولود كلما ذهب عالم أتى عالم يسد مكانه والحمد لله ، فالله الله أيها الفضلاء سيروا على خطى العلماء واقتدوا بمن مات فإن الحي لاتؤمن عليه الفتنة وإياكم والإختلاف فإن الخلاف شر ، وعليكم بسلامة الصدر لكل من دعى إلى الله ، إن رأيتم منه إصابة فأعينوه ، وإن رأيتم منه خطأ فصوبوه ، فإن المسلم مرآة أخيه ، ولا يحملنكم خلاف التنوع على المناحرة والمشاجرة ، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وأعلموا أن أمتنا المسلمة ، وخاصة بلادنا المملكة العربية السعودية أعزها الله وحرسها ، فهي مهبط الوحي وحاضنة الحرمين ، فهناك أعداء من الخارج يهود ونصارى ورافضة وأعداء من الداخل علمانيين وليبراليين ينهشون وينبحون ، ففوتوا عليهم فرصة التفريق باتحادكم ، وفرصة التمزيق باجتماعكم ، وفرصة التثبيط بجدكم واجتهادكم وعملكم اللهم أعز الإسلام والمسلمين ووحد صفوفهم وارحم علماءهم وقو شوكتهم اللهم أظهر السنة واقمع البدعة واحرس هذه البلاد وحكامها وشعبها ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه  حمدان بن أحمد
a.h.m@888hotmail.com

لجينيات http://174.120.81.100/index.php?action=showMaqal&id=9021

 

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال