د. عايض القرني : رحم الله العلاّمة ابن جبرين

 

أحسن الله عزاءَ المسلمين في أحد علمائهم الكبار، وهو الشيخ العلّامة عبدالله بن جبرين -غفر الله له، وأنزله منازل الأبرار- وقد قضّى حياته المباركة في خدمة دينه، والدعوة إلى سبيل ربه، ونشر العلم النافع بصبرٍ لا نظير له، ودأبٍ قلَّ مثيله. وقد عرفتُ الشيخَ عن قربٍ -مُجالسًا، ومستفيدًا، ومحبًّا- فوجدتُ التواضعَ بأسمى صوره، والورعَ في أبهى حُلله، ولم أرَ في حياتي بساطةً كبساطة الشيخ، فهو يرفضُ المديحَ والإطراءَ والتبجيلَ المتكلّفَ، ولا يسمحُ بتقبيلِ رأسه، بل هو يُقبّل رؤوس المشايخ، يجيب الدعوة كائنًا مَن كان الدّاعي ما لم يكن فيها إثم، ويجالس المساكين، ويأكل مع العمّال والفقراء، سليم الطوية، صادق النيّة، عفيف اللسان، طيب القلب، ليّن الكلام، لا يؤذي أحدًا، ولا يحب الضرر لأحدٍ، بل لم أسمع منه، ولا غيري كلمة نابية في حق أحد، فشعاره السماحة، والحلم، والعفو؛ حتّى صار مثالاً حيًّا للعالِمِ، الورعِ، الزاهدِ، المتواضع.
وقد منحه الله الهمّةَ العاليةَ، والصبرَ العظيمَ في نشرِ العلمِ، فكان يطوي المملكةَ مدينةً مدينةً، وقريةً قريةً، وإذا أقام بالرياض صار غالب وقته -في المسجد والبيت- تعليمًا وتوجيهًا وفُتيا، مع إشراقةِ وجهٍ، وحُسنِ بسمةٍ، وحلاوةِ نفسٍ، وعمقِ علمٍ، واستحضارِ دليلٍ، وجودةِ ذاكرةٍ.
وأنت تستمع للشيخ في دروسه وكلماته، تحسّ بالصدق، وتشعر بالإخلاص، وتجد التأصيلَ العلميَّ، مع سلامةِ المنهجِ، واتّباعِ السنّةِ، وتوقيرِ الشريعةِ، وإعزازِ وتكريمِ وتبجيلِ صاحبِ الشريعةِ صلى الله عليه وسلم، وأنت تصاحب الشيخ ابن جبرين تنتقل بك الذاكرة مباشرة إلى حياة السلف، وبساطتهم، وعدم تكلّفهم، وحسن أخلاقهم، فالشيخ أبعد ما يكون عن التكلّف، والتنطّع، والتعمّق، والتشدّق، والتفيهق؛ بل يتكلّم على سجيته، فيعيش بعفويته. قد أراح نفسه من المراسم والطقوس والشكليات، التي تجلب لصاحبها المشقة، والعنت، ونفور الناس، وعدم القابلية.
فالشيخ -رحمه الله- قد انتصر على نفسه، فأسلمت له القياد، وأطاعت واعظ الله، ولبّت دعاء السنة، فنال الشيخ مرتبة الإمامة، والقدوة، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)،.
غفر الله للشيخ ابن جبرين، وأكرم نزله، وجمعنا به في الفردوس الأعلى، وعوّض الله المسلمين عن فقده، “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.

 

د. عايض القرني

 
جريدة المدينة http://al-madina.com/node/161562/madina

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال