تهاني بنت عبد الرحمن العواد : رحمك الله يا شيخي

لا أعرف من أين أبدأ وكيف أصوغ العبارات مع العبرات، لكن عزاءي فقد حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه الذي هون علي مصابي في شيخي ابن جبرين رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى نزله.

بضع سنوات عشتها معه في دروسه وكأني رافقته في كل مسيرته الدنيوية...، أحقاً فقدنا ذلك الصوت الشجي الحاني؟!، كانت دروسه رحمه الله دروس من دروس من دروس، حضرت نفس الشروح لجمع من العلماء لم تكن كشروح شيخي رحمه الله؛ فهو يفتح نوافذاً من المعرفة، رابطاً الماضي بالحاضر، يستنتج ويقيس، تستشعر منه إخلاصاً في الأداء، وصدقاً في البلاغ، حتى الحوادث التي مرت به يُطلعنا عليها.

كثيرا ما تساءلنا في شروحه عن مبهمات تتعلق بعصرنا الحاضر تتوارد على أذهاننا أثناء شرحه كونها تتشابه في السببية، ولما نَهِمُّ بتدوينها لعرضها على الشيخ آخر درسه نجده يتعرض لها بتفصيل حكمها، فسبحان من ألهمه!.

من يعرف الشيخ يجده شديد الورع في فتاويه، مع قوة صدع في الحق لا يخاف في الله لومة لائم _نحسبه والله حسيبه_، مما جعل طلاب العلم يتهافتون على سؤاله عن دقيق المسائل وكبيرها ثقة في هذا العالم الورع.

في درسه ننهل من كل فن، لا نجد صعوبة في التنقل من متون العقيدة للفقه أو من المصطلح للنحو، نتابعه عبر النت وكأننا بينه، بل ربما قدم أسئلتنا على أسئلة الحضور عنده، كما أنه لا يجد تضجراً من تكرار السؤال في نفس المسألة، بل ربما أرسل أحدهم بعد إجابة الشيخ الطويلة بأن الاتصال لم يسعفه في سماع كامل الإجابة، فيعيدها الشيخ برحابة صدر وطول بيان.

سبحان من نشر حبه في القلوب ووضع له القبول بين العباد، حتى كنا نبكي عند نهاية كل سلسة علمية أو دورة شرعية وكأنها آخر العهد بالشيخ لمّا اعتدنا مجالسه ودروسه.

رحمك الله يا شيخي ، لما وصلني خبر مرضه تذكرت الحادثة التي وصفها بأصعب موقف مر به، والمواقف كثيرة : لما داهم السيل منزله ، لم يحزن على ما تلف من الأثاث أو الجدران، بل اشتد حزنه على دفاتره التي غطاها الماء فأزال ما كتب فيها من علوم حَرِص على تدوينها بيده وفوائد جمعها من شيخه، كان أول ما سأل عنه بعد علمه بالسيل: "أين دفاتري" ؟!.

هذه نشأة طلاب العلم وكذا كان حرص المجتهدين ، ومن أراد أن يستزيد من قصته رحمه الله في المصابرة والجلد في طلب العلم ، فليراجع لقاء مع الشيخ بعنوان : "قصتي في طلب العلم".

إن القلب ليحزن والعين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون، فاللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الكاتبة/ تهاني بنت عبد الرحمن العواد

 

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال