حماد بن عبدالله الحماد : ابن جبرين قدوة للعلماء والدعاة

لقد فجعت الأمة بفقد عالم من علماء المسلمين، عن عمر مديد في العلم، والتعليم والدعوة إلى صراط الله القويم، وقد كان يوم الاثنين الموافق ٢٠/٧/١٤٣٠ه موعد فراق الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين الدنيا، والانتقال من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وقد كان فقد الشيخ مصيبة على الأمة، وخسارة على العلم والدعوة وذلك لما حبا الله لشيخ من مزايا قل أن تجتمع في رجل واحد وهذه المزايا هي:

- العلم الراسخ: فقد كان الشيخ ذا علم راسخ موصل، وذلك يعود لأسباب منها: كثرة الشيوخ الذين تلقى عنهم في مختلف الفنون، ومنها: كثرة إطلاعه وقراءته الكتب، وحفظه المتون العلمية في مختلف الفنون الشرعية والعربية، ومنها: الجلد والصبر في تحصيل العلم. ومن أعظم تلك الأسباب نية خالصة لله نحسبه والله حسيبه، ومن أعظم الدلائل على رسوخه في العلم أنه ما تكلم في فن من فنون العلم إلا ويحسبه سامعه أنه مختص فيه، إذا تكلم في التفسير، في العقيدة، في أصول الفقه، في الفقه، وفي النحو.

- محبته الناس: وهذا ما جعله - رحمه الله - يبذل نفسه للصغير والكبير، والعامي وطالب العلم، بابه مفتوح للمستفتي وذا الحاجة، والمستفيد والمستشير، وطالب شفاعة أو تزكية، وهذا ليس ليوم واحد في الأسبوع، بل يومياً بدون ملل أو كلل، وذلك كل عصر، ولا يقطع ذلك المجلس المفتوح إلا إذا أذن المغرب فينصرف الناس ويتوجه الشيخ إلى المسجد لإلقاء درسه المعتاد، والشيخ في أثناء جلوسه للناس بعد العصر يجيب عن أسئلة الهاتف، وقد اتصلت به عدة مرات فأفادني كأنني بين يديه.

- التواضع: كان في الشيخ تواضع يضرب به المثل، ومن تواضعه الجم أنه كان لا يسمح لأحد أن يقبل رأسه، مع كبر سن الشيخ، وعلو منزلته في العلم، وهو إذا رأى عالماً كسماحة الشيخ ابن باز سارع لتقبيل رأسه، وإذا قبل أحد رأسه قبل أن ينتبه إليه طلب أن يرد تلك القبلة، فيقبل الشيخ رأس من قبله، فأي تواضع ذلك! ومن تواضعه: أنه لا يأنف أن يجيب لدرس أو محاضرة ولو في مكان بعيد، ولو علم قلة الحضور، فهو لا ينظر لأعين الحاضرين ولكنه نحسبه ينظر إلى عين رب العالمين فأي تواضع ذلك. ومن تواضعه: تقديره للناس عموماً ولطلبة العلم خصوصاً صغاراً كانوا أو كباراً، وقد رأيته - رحمه الله - يترفق بمن يقرأ عليه في درسه فقد يخطئ، فكان لا يبادره بالتصحيح، فكان يعطيه الفرصة ليصحح لنفسه، أو يصحح له بقية الطلبة، كل هذا رفقاً بمن يتلقى العلم عليه، وقد كان أحدهم يقرأ عليه في درس الفجر يومي الخميس والجمعة في التفسير، فكان لا يحسن قراءة الآيات، ومع هذا كان الشيخ يصبر ولا يستعجل في تقويمه، رغبة في تأليف قلبه، وتثبيته على الاستقامة، ولا يقول كما يقول بعضهم: أنا أكبر من أن يقرأ على أحد لا يحسن القراءة. ومن تواضعه: تقديره للعلماء المتقدمين والمتأخيرن، بل قرأت له مقدمات لكتب ووسائل وسمعته في دروسه يصل بها بعض طلابه بصفات التبجيل كقوله العلامة الشيخ ونحوها، ويذكر أحياناً بعض الفوائد وينسبها إلى بعض المشايخ الذين هم في طبقة طلابه، بل إنني سمعته أكثر من مرة يراجعه الشيخ عبدالعزيز السدحان أحد طلابه ومن أبرزهم، يراجعه في بعض المسائل حال الأسئلة، فكان الشيخ رحمه الله يقول: الشيخ عبدالعزيز يقول كذا، الشيخ عبدالعزيز يقول الحديث ضعيف، فأي تواضع ذلك؟ ومن تواضعه: تواضعه في ملبسه وهيئته، فالذي لم يسبق أن رأى الشيخ لا يمكن أن يعرفه لأنه لا يتميز عن الناس بشيء، حتى المشلح (البشت) ما كان يلبسه إلا نادراً وحينما يكون الدرس أو المحاضرة خارج الرياض فهو لا يلبس المشلح في دروسه اليومية لا في الفجر ولا في المغرب ولا العشاء، وهو كذلك في مجلسه وبيته. ومن تواضعه الجم: أنه كان لا يأنف أن يجلس إلى من هو أقل منه علماً أو في طبقة طلابه وقد رأيته مرات وهذا يعرفه طلابه عنه، جلوسه في درس يسبق دروسه في الدورات العلمية التي كانت تعقد في الصيف، فيحضر مبكراً كبقية الطلاب ويجلس يستمع لا يقاطع ولا يعلق مع أن الشيخ الملقي يتمنى من الشيخ ذلك، ومرة رأيته يجلس في إحدى الدورات لدرس بعد درسه فتذاكرت وبعض طلاب الشيخ فقال هذا الأخ الشيخ يعلمنا التواضع عملياً. بل إنه قد تقام محاضرة في وقت درس الشيخ المعتاد، وذلك لبعض الدعاة والمشايخ فتأتي لمسجد الشيخ، فإذا الشيخ جالساً ويستمع للمحاضر والداعية، والأمثلة على ذلك كثيرة، وحقيقة كان كثير من الطلاب ينصرفون، وبعد انتهاء المحاضرة، يجلس الشيخ - رحمه الله - ليلقي درسه الذي بعد العشاء مع أن الطلاب انصرفوا وقد لا يحضرون إذا علموا أن هناك محاضرة لبعض الدعاة، فيجلس الشيخ ويلقي درسه ولو لم يحضر إلا أقل من أصابع اليد الواحدة فأي تواضع ذلك!

حماد بن عبدالله الحماد

 

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال