أحمد عبدالرحمن الكوس : ابـن جبريـن بقيـة السلـف!!

بعد أن أدى أمانته وقدم رسالته للناس وللأمة الإسلامية من جهد مبارك وعطاء في الدروس والدعوة والإرشاد والتوجيه والإفتاء في ما يقارب خمسين عاماً تقريباً أو أكثر توفي الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله تعالى وجعله في جنات النعيم.

وبالحقيقة يعجز المرء أن يعدّد مناقب هولاء العلماء الأجلاء ولكن والله لقد خالطناهم ورأيناهم وعرفنا حقيقتهم، فلقد ذكرونا بسلف الأمة الأوائل رحمهم الله تعالى.

قال تعالى: ?أو لم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها? قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها» رواه الطبري. وقال الحسن: «كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار» رواه الدارمي.

لقد كانت حياة ابن جبرين حافلة بالعلم والعمل حيث تتلمذ على الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشتري المعروف بأبي حبيب حيث قرأ عليه كتب الحديث كالبخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي وغيرها.

وكذلك قرأ على الشيخ محمد بن ابراهيم مفتي المملكة الأسبق واهتم الشيخ بعقيدة السلف فانكب على عقيدة أهل السنة والجماعة حيث قرأ وحفظ كتب العقيدة كالواسطية لابن تيمية - رحمه الله - ودرس رحمه الله شرح العقيدة الطحاوية ولمعة الاعتقاد وكتب ابن القيم وحافظ الحكمي وغيرها.

واستفاد الشيخ ابن جبرين من الشيخ اسماعيل الأنصاري والشيخ عبدالله بن حميد في الفقه وطرق القضاء وكذلك في مجالسة الشيخ عبدالعزيز بن باز حيث لازمه في الجامع الكبير بعد العصر وبعد الفجر والمغرب.

والشيخ له العديد من المؤلفات منها بحثه الذي قدمه لنيل درجة الماجستير بعنوان «أخبار الآحاد في الحديث النبوي»، ورسالة الدكتوراه بعنوان (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرقي).

وأذكر أني حضرت مناقشة رسالته للدكتوراه في عام 1407هـ في كلية الشريعة بالرياض بمنطقة البطحاء ووقتها احتار الطلاب من سيناقش العلامة ابن جبرين في رسالته للدكتوراه وقيل وقتها إن سماحة المفتي الشيخ ابن باز هو من سيناقشه، ولكن بعد ذلك تبين أن هيئة المناقشة كانت مكونة من سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ (مفتي المملكة حالياً) والشيخ صالح اللحيدان، وقد حرصت على التبكير للحضور وما أن دخلت قاعة كلية الشريعة وما هي إلا دقائق معدودة فإذا هي تمتلئ ولا يجد بقية الطلاب مكاناً للجلوس، وقد بدأت المناقشة من خلال بعض الأسئلة الشكلية وبعد نصف ساعة على ما أذكر انتهت المناقشة تقديراً للشيخ ابن جبرين ولمكانته وعلمه والثقة به حيث لم يتم التدقيق والاسترسال في التفاصيل ونال الامتياز مع مرتبة الشرف.

لقد تميز ابن جبرين بالتواضع والحلم ومساعدة الناس وحبه للشباب وللناس والفقراء.

وأذكر أيام الدراسة في الجامعة بالرياض في حدود عام 1405هـ كنا نزوره في مكتبه في دار البحوث العلمية والدعوة والإرشاد والإفتاء قبل أن تتحول الى وزارة الأوقاف والإرشاد، فكان مكتبه مفتوحاً فكنا ندخل ونسلم عليه ونجلس معه ونطرح عليه العديد من الأسئلة فيجيبنا عليها بصدر رحب.

وأذكر في إحدى المرات كان على الهاتف أحد القضاة ومكث فترة طويلة وهو يستفتيه ويسأله في إحدى القضايا.

وكان رحمه الله تعالى جدوله مزدحماً بالدروس اليومية التي يبذلها لطلاب العلم في شتى العلوم في العقيدة والفقه والحديث واللغة العربية والأصول وغيرها من العلوم، وكان يسافر الى أغلب مدن وقرى المملكة للمشاركة في تلبية طلب الشباب وطلاب العلم لعقد الدورات العلمية والتي يحضرها آلاف الطلاب من داخل السعودية وخارجها.

بالأمس تحدث بعض المشايخ الذين تتلمذوا على الشيخ ابن جبرين في بعض الفضائيات وأمتعونا بحكايات وقصص من واقع مجالستهم للشيخ تبين حرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشفاعته للناس وللفقراء وللمساكين وإيصال الصدقات والزكوات لهم.

وتواصله مع الشباب وطلاب العلم وحرصه على قراءة كتبهم ومراجعتها والتعليق عليها وتقريظها باسمه.

وكان رحمه الله له اهتمام كبير بالأمة الإسلامية وواقعها الأليم في كل ما يحدث في بلاد العالم فيدافع عن الإسلام والمسلمين ويصدر البيانات تجاه الوقائع لينصر الإسلام وأهله.

وباختصار فإن الشيخ ابن جبرين رحمه الله فيه شبه بصفات الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى من حيث العلم والعمل والزهد والورع والتواضع ومساعدة الناس وبذل النفس للعلم ولطلاب العلم والتدريس والإفتاء.

رحم الله الشيخ عبدالله بن جبرين رحمة واسعة وجعله في جنات النعيم وأسبغ عليه واسع المغفرة والرحمة، ففقد العلماء لا يعوضه يعوضه شيء في الدنيا ولكنها سُنّة الله في خلقه.
 

أحمد عبدالرحمن الكوس

 

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال