عبد الرحمن بن سعد السماري : هكذا عرفت الشيخ بن جبرين رحمه الله

فقدت الأمة الأسبوع الماضي عالماً كبيراً ملأ الساحة علماً وعطاء وحضوراً شرعياً.. وقبل ذلك وبعده.. كان مضرب المثل في النزاهة والتجرد والزهد والتعفف وإنكار الذات.. والتواضع والبساطة والقرب من الناس.. والانصراف عن الدنيا بكل زخارفها وتقديم أروع الأمثلة للطلاب ولغيرهم.. في السلوك والأخلاقيات والتعامل.
** شيخنا العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين- رحمه الله-.. عرفناه قبل عقود مدرساً في المعهد العلمي.. وكان يلقي دروساً ومحاضرات.. وله إسهامات شرعية.. وكان معروفاً في الرياض.. ويحظى بتقدير المسؤولين وعلى رأسهم حاكم منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. فقد شاهدته في مكتب سموه ومنزله عدة مرات.. وشاهدت سموه يحتفي به ويقدر حضوره كعادة سموه- حفظه الله- في الاحتفاء بالعلماء والفقهاء وإنزالهم منازلهم.
** هذا العالم العابد.. كان منصرفاً للعلم.. لا تهمه الدنيا أبداً.. حتى اختيار ملابسه لا تهمه.. فقد كان قمة في التواضع والبساطة ولين الجانب والتعفف والبعد عن كل ما هو دنيوي.
** كان مدرساً في المعهد العلمي بالرياض هكذا عرفت - شخصياً - بداياته.. ثم انتقل - حسب معلوماتي - أستاذاً في كلية الشريعة وحسبما أعرف من الطلاب آنذاك.. إنه كان يدرس علوم العقيدة والفقه.. وكان متواضعاً مع الناس من خلال الدروس والمحاضرات والندوات والإجابة عن أسئلة الناس.. حتى انتقل إلى دار الإفتاء كعضو إفتاء.. فأثرى دار الافتاء.. وكان مكتبه دوماً مزحوماً بالمستفتين وهكذا كان في منزله.. وعندما تُصلي معه في المسجد.. تجد الناس تسأله وتستفتيه في المسجد وخارج المسجد.. حتى وهو في طريقه إلى المسجد أو إلى منزله.. تشاهد الناس حوله فهذا طالب علم يسأل.. وهذا مستفت.. وهذا ينشد حاجة.. وهذا يطلب مساعدة.. وهذا يطلب تزكية علمية.. وتجد الشيخ- رحمه الله- يجيب الجميع مبتسماً بل إنه إذا وصل إلى منزله دخل معه مجموعة من الناس يجلسون في منزله حتى تُقضى حوائجهم.. بل تشاهد.. هذا داخلا.. وهذا خارجا.. هذا معه أوراق.. وهذا يسأل وهذا يطلب مساعدة وهكذا..
** زرت سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- عدة مرات.. وفي أكثر هذه المرات أجد الشيخ بن جبرين جالسا في مجلسه.. وسماحة الشيخ يستشهد ببعض آرائه.. ويسمع منه ويتحاور معه ويقول له أحياناً (كذا يا شيخ عبدالله؟) ويعقب الشيخ بن جبرين.. بنعم.. وأحياناً يضيف ويقول له سماحة الشيخ بن باز (أحسنت).
** وعندما تلتفت إلى الاعلام.. تجد له مئات.. بل آلاف الفتاوى المنشورة في الصحف.. وسائر وسائل الإعلام الأخرى..
** وعندما تذهب إلى المكتبة الإسلامية تجد له عدة مؤلفات وكتبا.. وهكذا التسجيلات الإسلامية.
** وعندما تدخل إلى موقعه الإلكتروني تجد ثروة أخرى.. وهكذا عندما تسمع حواراً حول مسألة شرعية تجد الكثير من الناس تستشهد بفتاوى الشيخ بن جبرين رحمه الله.
** عاش فضيلة الشيخ أكثر من ثمانية عقود.. وملأ الساحة عطاء وعلما وحضورا.. ولم أقرأ له أو أسمع منه طوال مشواري الإعلامي لحوالي نصف قرن.. أنه أساء إلى أحد أو سفَّه رأياً.. أو انتقد آخر نقداً لاذعاً.. أو استخدام عبارات جارحة.. بل كانت عباراته وحواراته كلها بأسلوب راقٍ رفيع يعكس أدب وخلق العلماء الكبار.
** تصدى- رحمه الله- لعدد من القضايا والنوازل والمستجدات.. وأبان الحكم الشرعي فيها بتأصيل يشفي الغليل ويعكس قدرة علمية فذة.
** والملاحظ.. ان كل فتاوى الشيخ مؤيدة بالدليل.. مصحوبة بالتعليل الشرعي.. وليست مجرد فتاوى قصيرة (يجوز أو لا يجوز).. بل كان شديد الحرص - رحمه الله - على التأصيل وإدراج الدليل والشرح والتفصيل في المسألة وإعطائها كل ما تستحق من عمق علمي ولا يقبل بالفتاوى السريعة أو كما يُسمى (الفتاوى الطائرة) ولهذا.. لا يمكن أن تجد له فتوى في كلمات أو في سطر أو سطرين.. بل إن بعض فتاواه- رحمه الله- تأخذ صفحات.. وهذا.. دليل على حرص فضيلته - رحمه الله - على التأصيل الشرعي وبحث المسألة من كل وجه.
** في السنوات الأخيرة.. تعرض فضيلته لوعكات متلاحقة أثرت على جسده وعلى القدرة في النطق.. فصار ينطق بصعوبة.. بل وأثرت على التنفس عنده.. فعندما تتابعه وهو يتحدث مباشرة أو في التلفاز من خلال محاضراته التي تنقلها عادة قناة (المجد) تجده يتجاذب أنفاسه.. يتنفس بصعوبة.. وهكذا اشتد به المرض حتى لازم المستشفى.. فأجريت له عمليات متلاحقة حتى لاقى وجه ربه رحمه الله رحمة واسعة
** وجد اهتماماً كبيراً من القيادة الرشيدة في صحته ومرضه وعندما مرض اهتم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة الرياض.. ووجد منهم كل رعاية واهتمام.. وسخرت له كل الإمكانات الطبية في الداخل والخارج.. وأُرسل لأحد أكبر وأفضل المشافي في ألمانيا وتلقى العلاج هناك بعض الوقت وعاد ولازم المستشفى حتى توفاه الله.
** كان جناحه في المستشفى لا يتوقف من الزوار الذين يستقبلهم شخصياً إذا كانت ظروفه الصحية تسمح.. أو يستقبلهم أبناؤه على طول الوقت.. وعندما توفي.. نعاه الديوان الملكي كما يُنعى (عادة) كبار العلماء والفقهاء.
** رحم الله شيخنا رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
 
عبد الرحمن بن سعد السماري

http://www.al-jazirah.com/139442/ln19.htm

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال