حمد عبدالرحمن الكوس : لقائي الأخير بالإمام ابن جبرين رحمه الله!

قبل قرابة عشر سنوات مرت كأنها سحابة صيف او ساعة من نهار قدر الله عز وجل لي زيارة مدينة الرياض العامرة بالعلماء الفضلاء الأجلاء لحضور دورة علمية بجامع علي بن المديني، ولم أكن أعلم أن زيارتي هذه سوف تكون فيها نظرة الوداع لثلاثة علماء أشقاء جمعهم رحم العلم! الأول: هو الإمام الكبير علامة الجزيرة بن عثيمين رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء وكان قد عاد من الولايات المتحدة مصابا بمرض السرطان وتوفي بعدها بعدة أشهر، والثاني: هو العلامة الفقيه عبدالله بن قعود عضو الإفتاء السابق وكان طريح الفراش وبلغ به المرض مبلغه، والثالث: هو العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله عضو الإفتاء المتقاعد، وكان قدر لي التتلمذ على يديه أياما قلائل في الدورة العلمية بعد الفجر، فكان لا يكل ولا يمل ويجلس أكثر من ساعتين، وكان الشيخ وقتها قد ناهز السبعين ولكن همته كانت تفوق همة الشباب ونشاطهم! وكانت أوقاته عامرة بالدروس والإفتاء لعويص المسائل ودقائقها بهمة عالية ليس لها نظير ربما في العالم، وقرأت جدوله في النت في موقعه، والذي كان يسير عليه قبل مرضه الأخير فوجدت له أكثر من سبعين درسا في الأسبوع في شتى الفنون من عقيدة وحديث وفقه وتفسير ونحو، فكان رحمه الله مدرسة متنقلة وعالما موسوعيا! فكان رحمه الله رجله في الثرى وهمته في الثريا! وقال بعض تلاميذه: لا أظن الشيخ ينام أكثر من أربع ساعات باليوم! وصدق من قال:

لكل جسم في النحول بلية    ونحول جسمي من تفاوت همتي!

فكان قد قضى رحمه الله عمره متعلما ومعلما ومربيا بسمته وخلقه بحاله ومقاله لأكثر من خمسين سنة نشر فيها عقيدة السلف الصالح وذب عنها، وله مئات الدروس العلمية التي فرغت فأصبحت في مجلدات، وكان يتخرج على يد الشيخ مئات الطلاب في كل عام من جامعة الامام محمد بن سعود، وناقش عشرات الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراة، وكان متبحرا في مذهب الإمام أحمد بن حنبل وكذا كان أجداده من العلماء واشتهر بذلك حتى أن العلامة محمد بن جراح كبير علماء الحنابلة في الكويت أوصى قبل موته بعض كبار تلاميذه بالعلامة بن جبرين رحمه الله وبالعلامة عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله (المفتي الحالي للمملكة) فلما ذهبوا لبن جبرين قال في تواضع جم: كيف تقرأون علي بعدما قرأتم على الشيخ بن جراح؟! فكان رحمه الله متواضعا ولعل هذا من أسباب رفعته وقبول الناس له كما في الحديث أن «من تواضع لله رفعه الله عزوجل».

وقدر لي مع بعض الإخوة من الكويت زيارة الشيخ في بيته وكانوا يقرأون عليه كتاب الشيخ السلمان الأسئلة على العقيدة الوسطية، وكان وقت الشيخ مزدحما جدا ولم يهدأ هاتف البيت طوال وقت المغرب! وعند انتهاء الدرس كان يجيب عن الأسئلة بانشراح صدر وأذكر أني سألته عن حكم الكي نت وهل تعتبر العمولة ربوية فأجاب أن ذلك جائز، ولا تعد العمولة من باب الربا بل من باب الخدمة نظير جلب المال من بنك إلى بنك، والأموال سوف تستخدم لصيانة الاجهزة، وبعد انتهاء الدرس كان يخرج للمسجد مشيا على القدمين، لابسا ثيابا بسيطة ونعلا نجدية متقشقفا متواضعا زاهدا في الدنيا مبتعدا عن زينتها، وكان لا يرضى لأحد أن يقبل رأسه تواضعا منه، وكان يدفعه بيده بشدة، وكان يقضي حاجات الناس ويشفع لهم وربما سعى بنفسه لقضاء حوائجهم رغم كثرة مشاغله، ويقول أحد تلاميذه: انه كان حليما ولم يره قط غاضبا أو منتصرا لنفسه إلا إذا انتهكت حرمات الله عز وجل!

وكانت وفاته رحمه الله بتاريخ 20 رجب 1430 الموافق 13يوليو 2009م وصلي عليه في اليوم التالي ودفن معه علم غزير وفقده أقرباؤه ومحبوه في مشارق الأرض ومغاربها، ولكن ما عند الله خير وأبقى، وبإذن الله في الأمة خير كثير ولن تقف أرحام النساء عن ولادة أمثال الشيخ رحمه الله ونصيحتي للعلماء وطلبة العلم أن يقتفوا أثر الشيخ في الخير ونشر العلم وبذله للناس.

اقتراح :

أقترح على وزير الاوقاف الشيخ الحماد تخصيص دروس عن سيرة الإمام الراحل ابن جبرين رحمه الله.

حمد عبدالرحمن الكوس

أضف تعليق

جاري ارسال التعليق
تم ارسال التعليق
فشل فالإرسال