طويت صفحة العالم الجليل الشيخ عبد الله بن جبرين بعد سنوات حافلة كلها كانت في العلم وطلبه وتعليمه، وقد كان أمة وحده، أحبه الصغير قبل الكبير، لم يكن يترك لنفسه وقتا للراحة عندما يكون لديه برنامج دعوي في أي مكان من بلادنا الحبيبة، كان كما يقول شيخنا إبراهيم الخضيري حمامة المسجد، كان يحب المسجد ولا يخرج منه إلا آخر الناس، وهذه المحبة، كما يقول شيخنا إبراهيم الخضيري، الذي كان شاهد إثبات عليها وهو في السنوات الدراسية الأولى من المرحلة الابتدائية عندما كان جارا للشيخ، وهذه شهادة من جاوره سنوات عديدة، فماذا عن الذين استضافوا الشيخ في جولات دعوية وماذا يقول بعضهم عنه. يقول أحدهم: جاء إلينا الشيخ في جولة دعوية ووضعنا له برنامجا وكان ـ رحمه الله ـ متقيدا بالبرنامج لا يغادر المسجد إلا بعد الانتهاء من تلك الدروس العلمية وإلقائها، وكنا نطلب منه الراحة، ولكنه كان يقول لنا وقد حمل أمامنا مجموعة من الأسئلة: لن أرتاح حتى أجيب عن هذه الأسئلة، وأخذ يطالع الأسئلة ويجيب عنها ولم ينته منها إلا في ساعة متأخرة من الليل، وخلد للنوم ساعات قليلة، وجئت أوقظ الشيخ للفجر فوجدته قائما يصلي قبل صلاة الفجر، وهو لم يرتح إلا دقائق، فقد كان حب الصلاة والمسجد يسريان في عروقه، كان يوجد في الدروس العلمية قبل الصلاة، ولا يأتي كبعض الدعاة الآن بعد الصلاة إلى المسجد وينتظره طلابه، والشيخ ـ رحمه الله ـ كان من العلماء الراسخين يقضي معظم وقته في المسجد للتعليم والعبادة، وكانت دروسه تصل أحيانا إلى 13 درسا علميا ـ بحسب كلام تلميذه الشيخ خالد الشيخ.
لقد سخر وقته لله وللتعليم وللعبادة والطاعة، فبارك الله له في وقته، لأنه لم يكن يكتفي بتلك الدروس، فقد كان أيضا يسهم في قضاء حوائج الناس، ولا يرد أحدا، وكان بيته ومكتبه في بيته مفتوحا لاستقبال الزوار وطلبة العلم والمشايخ، وهذا الحب الفياض كان واضحا من الناس صغيرهم وكبيرهم وهم يودعونه الوداع الأخير بالصلاة عليه في جامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، ويتبعون جنازته مشيا على الأقدام إلى مقبرة العود، فقد كان وداعه في المسجد الذي يحبه محبة عظيمة حزينا تساقطت الأدمع على فراقه، وستفتقد المساجد دروسه، خصوصا الجامع الذي بجوار منزله جامع الراجحي في شبرا، الذي كان عامرا بدروس الشيخ تجده شبه ممتلئ من طلاب العلم، وقد حضرت على فترات بعض دروسه، خصوصا بعد صلاة العشاء، فقد كان شيخا مهابا محبوبا، يجيب عن الأسئلة بما يقنع السائل، وبما لا يجعله يبحث عن آخر كما هي عادة بعض المستفتين، وكان نادرا ما يتخلف عن دروس المسجد إلا لمرض أو ما شابه ذلك، وكانت تنتظره دورة علمية في هذا الشهر، لكن القدر لم يمهله، لذلك كانت تلك المحبة الكبيرة له من الناس نتاج هذا العمل الدؤوب والجهود المكثفة لخدمة هذا الدين العظيم.
كتبه: سعد بن جمهور السهيمي
لجينيات http://174.120.81.100/index.php?action=showMaqal&id=8955