علي باوجيه : مع ابن جبرين رحمه الله
مع ابن جبرين رحمه الله
علي باوجيه - أبو عمر
قالوا الأسى يعلو فؤادك والكدر ................ ماهذه الأحزان مالك والسهر.
أتراك عشت الليل يأسرك الهوى ............. أم كان سهدك للحبيب ومن هجر.
أم أنها الأوهام سارت بالكرى ................ فمضيت ترسل ناظريك إلى القمر .
حتام تبقى واجما متندما ....................... هلا ذكرت لنا مصابك والخبر .
فأجبتهم عذرا دعوني ما أنـا ..................... إلا أسير الحزن في زمن العبر.
خاطبتهم والدمع يخنق أحرفي ................. أنا مؤمن بالله راض بالقدر.
أنا مؤمن لكن عيني لم تزل ................... ترنو إليه محدثا رغم الكدر .
مازلت أسمع صوته يهدي لنا ................... من علمه الفياض أنواع الدرر.
ياشيخ مهلا فالأنام بحـــــاجة .................... للعلم والإيمان للذكر العطر.
في أرض نجد ودعوك وما دروا ............... أن الذي قد ودعوه هو القمر
لا أستطيع هنا وفي هذه العجالة أن أوفي الشيخ ، ولو بعضا مما يستحقه ، فالمصيبة عظمى ، وفي المصيبة لايستطيع المرء أن يقول كل مايجيش بنفسه ، وماهذه إلا كلمات سريعة أكتبها على عجل ، أودع بها شيخنا الجليل ، وفاء لبعض حقه ، وحبا له ومعرفة بقدره وتقديرا لفضله ومكانته.
لقد مات الشيخ والحاجة إلى مثله ماسة ، فقد كان والله إماما فقيه النفس ، رجل عامة ، وضع الله عز وجل له محبة في القلوب . ولست أنسى آخر حديث معه يوم أن اتصلت بابنه الأكبر قبل أشهر ، لقد كان صوته ينطق بالبشر والحرص على حب الخـير لكل أحد.
نعم أيها الأحبة ، عاش الشيخ رحمه الله حياته وجعلها طريقا للآخرة، فأخذ منها مايسد حاجته ، وتخفف من محاسنها ولذاته . لقد كان رحمه الله لسان صدق ، صادعا بالحق ملتزما به ، مقيما عليه مع رعاية الحكمة ، في حديثه ألفة ، وفي ابتسامته مودة ، وفي كلامه بيان ، وجه طليق ، مجلس لايمل ، وخلف رحمه الله من بعده ثروة علمية هائلة ينتفع بها بعده أقوام – إن شاء الله – ليمتد أجرها وثوابها.
وصدق من قال ( بحياة العلماء تحيا الأمم ، وبموتهم يضيع الناس ) ، وإن من الناس من لايفقده إلا أهله ، والباعث أيها الكرام للتقديم بهذه الكلمات ماشعرت به هذا اليوم من لوعة فقد إمام جهبذ وعالم علم ، نحن على فراقه لمحزونون ، ولانقول إلا مايرضي ربنا ، ذلكم هو الإمام العلامة سماحة الوالد عبدالله بن جبرين – رحمه الله – ورفع درجاته في عليين وأسكنه فسيح جناته.
عظم الخطب بفقده ، وجل الأسى لفراقه بعظم المكانة التي بوأها الله له في القلوب – نحسبه والله حسيبه - .
وأيم الله لايحظى بالتقدير والإحترام ، ولاتعظم المكانة ، ولايكتب القبول والإمامة بإذن الله إلا لمن جمع بين العلم والعمل ، وحسن قصده ، وابتغى الله والدار الاخرة ، ذلكم هو الذي يفقد إذا غاب ، ويعظم المصاب به إذا واراه التراب ، ونحسب أن الشيخ عبدالله – رحمه الله – من هؤلاء العاملين ولا نزكي على الله أحدا.
لقد كان بيته رحمه الله ومنزله لايخلو من الزوار ... فهذا ينسق لقاء ،، وذاك يسجل مقابلة ،، وذاك يطلب من الشيخ شفاعة ،، وذاك طالب فتوى .. وهكذا قضى الشيخ جل حياته بين الدعوة والعلم وتربية الناس على الخير.
رحل العلامة : وترك لنا علما كثيرا تزخر به دور العلم والتسجيلات .
رحل العلامة : وقد أصبح إشعاع النور ومصباح الهدى .
رحل الشيخ : والقلوب يعتصرها الحزن والعين أجهشها البكاء فجادت بالدموع.
رحل من بيننا وبقي ذكره عاليا شامخا بما بقي من علمه ودرسه وكتبه وتسجيلاته وطلابه .
رحل عنا ونحن نثني عليه ، بل إن ثناؤنا لايوفيه حقه ، بل ونعجز أن نوفيه حقه مهما قلت ومهما ذكرت.
فاللهم أنت ربه ، وأنت خلقته ، وأنت هديته للإسلام ، وأنت قبضت روحه ، وأنت أعلم بسره وعلانيته ارحم اللهم الشيخ وأسكنه فسيح جناتك وأخلف لنا خيرا منه. الحمد لله على كل حال وإنا لله وإنا إليه راجعون .
علي باوجيه - أبو عمر
قبيل غروب الشمس من 20 رجب من عام 1430 هـ