فجعت الأمة الإسلامية عصر يوم الاثنين الموافق 20-7-1430هـ بفاجعة تصدعت لها أكباد الكثيرين، كيف لا وقد فقدوا عالماً مجاهداً بلسانه وقلمه فقده الأيتام والمحتاجون، فقده طلبة العلم الذين كانوا ينهلون من علمه ويثنون عنده الركب وهم أكثر من أن يحصوا.
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
عندما زال عني الهول أخذت أتذكر كفاح الشيخ وسعيه لنفع الناس، وأتذكر جدول دروسه الذي كثيراً ما كنت أرى إعلانه، دروس طوال اليوم من الفجر إلى العشاء وذهابه للدعوة في البلدات البعيدة، وهو الذي قد كبر سنه ورق عظمه فأتذكر مقولة والدنا سماحة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة عندما سأله أحد تلامذته وألح عليه عن سر قيامه الليل إلى الفجر بعد أن سافروا سفراً طويلاً وتكبدوا العناء فأجابه الشيخ رحمه الله بقوله: (يا بني إذا كانت الروح تعمل فإن الجسد لا يتعب).
نعم إذا كانت الروح مرتاحة للعمل راضية به فإن الجسد لا يتعب، وهكذا كانت روح سماحة والدنا العلامة عبد الله بن جبرين رحمه الله رحمة واسعة لا ترتاح إلا بالبذل ونفع الناس.
إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
ثمانون عاماً قضاها شيخنا النحرير في التقرب إلى الله بأنواع القربات؛ طلب للعلم وعمل به وتعليمه للناس وطوبى له بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير).
وهاهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (عليكم بالعلم فوالذي نفسي بيده ليودون رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامة العلماء. وإن أحداً لم يولد عالماً وإنما العلم بالتعلم). هكذا رحل شيخنا والمحاريب وحلقات الذكر تشهد بذلك، ودعناه وقلوبنا كادت أن تخرج من حناجرنا ألماً وحزناً على فراق هذا العالم الرباني.
لا تسمع في المسجد إلا بكاء ودعاء ولا ترى إلا نفوساً منكسرة.
وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روح تسيل فتقطر
ودعناه وألسنتنا تلهج بقوله تعالى: { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
غازي العتيبي
- المزاحمية
http://www.al-jazirah.com/96916/rj4.htm