<p dir="RTL"> </p> <p dir="RTL"><strong>لقد ترك الشيخ برحيله في نفوسنا جروحاً لا تندمل ، وأحزاناً لا تنقطع ، كيف لا وهو الأب الحاني والمربي الفاضل والعالم الجهبذ، ولقد خسر العالم بأجمعه برحيله ، خسر بحراً من بحور العلم ، وشاطئً من شواطئ الأمان ، خسر القول الحكيم السديد حين تضرب الأقوال ، وخسر الرأي الحصيف حين تتبدل الآراء وخسر الثبات على الحق حين تتزعزع القيم ، خسر الوقوف مع القلة المؤمنة حين تستكبر الطغمة الفاجرة، لقد خسر العالم أكفاً طاهرة كانت تلهج بالدعاء أن تُصلح الأحوال وتسير الحياة في أمنٍ وأمان، ولقد خسر العالم ربان سفينة يجيد الإبحار وسط الأمواج المتلاطمة العاتية ثم يرسو بنا على شواطئ الخير والحق المبين ولقد خسر العالم جسداً لطالما أتعبه قيام الليل وجبهةً لطالما انحنت لخالقها ، لقد كان الشيخ مصباحاً أضاء المشرق وبلغه نوره المغرب ، ولطالما بلغ علمه الأصقاع وجاب طلابه القفار والوديان ، وسارت بفتاواه الركبان ، ولقد كنت قبل ثلاث سنوات في زيارة للهند ومكثت بها فترة طويلة ولقيت فيها عدداً من علمائها وكانوا كثيري الرجوع إلى فتاوى الشيخ رحمه الله بل إن بعضهم كان حريصاً على الاتصال بالشيخ والتحدث معه، هكذا كان ابن جبرين بسلمٌ شفى النفوس ، وإكليلٌ زان الرؤوس ، وتواضعٌ جمٌ حير العقول، وغيث خير روى كل ما وقع عليه، وأذكر أنني زرته في بيته ذات مرة لسؤاله عن بعض المسائل فوقفت بفناء المنزل منتظراً قدومه من المسجد وكان بالقرب مني رجل مسنٌ من عوام الناس ينتظر الشيخ كذلك ، ولما دخل الشيخ علينا ورأى الرجلَ هش له الشيخ وبش كعادته وصافحه بحرارة تُنبئك عن قرب الرجل من الشيخ ولما همَّ الرجل بتقبيل رأس الشيخ إذ بالشيخ يحاول هو تقبيل رأس المسن وأخذا بالتطاول أمامي في منظرٍ قل أن يتكرر ويُشاهد من غير ابن جبرين وإذ بالشيخ يفاجئ الرجل ويفجؤني معه بانحنائه وتقبيله ليد ذلك المسن ، فاستل الرجل يده مسرعاً وهو يردد أنا من أُقبل يدك يا شيخ أنا من أُقبل يدك يا شيخ.. رحمة الله على ذاك التواضع.</strong></p> <p dir="RTL"><strong>هذا شيء يسيرٌ مما خسره العالم بوفاة هذا العلم الأمة، ولك يا قارئ الأسطر أقول: مضى ابن جبرين ونحسب أنه قدم ما يسره أن يراه في آخرته، مضى وقد أهدى للبشرية أمس ما تحتاج إليه ، مضى وقد ورَّث للعالم ما ورثه من مشكاة النبوة ، مضى ابن جبرين وترك العالم وقد أدى ما عليه من نصرة لدينه ونشر لعقيدته، مضى ابن جبرين وترك المسؤولية أمام علماء الأمة الأجلاء ورجالها الشرفاء ، مضى ابن جبرين ليخسر العالم برحيله خسارة عظيمة ويثلم في جسده ثلمة كبيرة ولكن الله قدَّر أن الصقور في جنس الطيور هي الأقل ، غفر الله لشيخنا وأسكنه فسيح الجنات وجمعه بمحمد صلى الله عليه وسلم وحزبه في جنات النعيم.</strong></p> <p dir="RTL"><strong>ثم أيها القارئ الكريم هلا أجبت على هذا السؤال: ماذا سيخسر العالم بوفاتك؟</strong></p> <p dir="RTL"> </p> <p dir="RTL"> </p> <p dir="RTL"><strong>خالد الأحمدي</strong></p>