header

عبدالله بن محمد العسكر : لقد أتعبت العلماء بعدك !

  الحمد لله وحده ،  والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :

الحديث عن الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين – رحمه الله - حديث يمتزج فيه الحزن بالذكريات الجميلة التي إذا تذكرها محبّوه لم يملكوا دمعاتهم وهي تهراق على خدودهم .

      لقد كان الشيخ أمة قانتا لله حنيفا . وكان أمة في رجل ، ولكن كأعظم ما يكون الرجال !!

كنتُ كثيرا ما أردِّد حين أبصر محيّاه البسام وأرى عطاءه الأسطوري أقول : هذا بقية     السلف !!

حينما نقرأ سير عظماء سلف  هذه الأمة وكيف كان بذلهم لهذا الدين نرى الشيخ وكأنه يعيش بينهم !!

إن الحديث عن صفات الشيخ يطول كثيراً ، ولا يمكن اختزال ذلك التاريخ الوضّاء المشرق المليء بالبذل والتضحية والخير الوافر في أسطر معدودة . فماذا عسانا أن نقول عن قامة العلم والعبادة والزهد والجود ؟!!

ماذا تقول قوافي الشعر عن رجل ***   كل يقول له: هذا هو الرجلُ

لقد كان موته فجيعة من فجائع الدهر ، ورزية من رزايا هذه الأمة التي عاش الشيخ موجها ومعلما لها أكثر من نصف قرن من الزمان !!

ولم يكن - رحمه الله- يعمل هذه الأعمال التي ينوء بعملها أولو القوة والبأس من الرجال طلبا للشهرة ومعسول الثناء ، كلا ، فليست تلك من صفاته .وكل من رأى الشيخ رأى في وجهه الصدق والإخلاص ، نحسبه كذلك والله حسيبه .

لو لم تكن فيه آيات مبيِّنة      ***   لكان منظره ينبيك بالخبرِ

كنت أحدِّث أحد الفضلاء مرة فأقول : هذا الشيخ يصدق فيه قول القائل :" مادحُه وذامُّه سواء " .

لقد كنت أشعر أن الشيخ يعيش وكأنه في غير عصره ، فلم تغرَّه هذه الحياة ببهرجها وزخرفها الفتان . ولو أراد أن يظفر بمتاعها ويعبَّ من عُبابها لعرف الطريق إلى ذلك ؛ لكنه – فيما أحسب- ممن قال الله فيهم : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص

لقد كان يتتبع الخيرَ مظانّه ، ويجتهد في إخفاء عمله ما استطاع إلى ذاك سبيلا .

يذكر أحد الإخوة المقربين منه أنه – رحمه الله -كان يقوم من الليل فيحمل طعاما وما تيسَّر من مؤونة ويخرج والناس هجّعٌ نيام متخفيا حتى لا يراه أحد ، ثم يضع هذا الطعام عند باب أحد طلابه الفقراء ثم يطرق الباب ويمضي سريعا قبل أن يفتح تلميذه الباب فيعرف من الذي وضعه !! {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (9) سورة الإنسان .

يا ألله ما اعظم هؤلاء الرجال !!  لطفاً بنا اللهمّ إن مصابنا        ***       بالشيخِ جرحٌ في الحشايا مؤلم

مات الذي قد كان بدرا ساطعاً *** فتياهُ في حلك البلاء البلسم

  الحلمُ شيمتهُ ولكن حينما    ***            يُعصى الإلهُ فإنما هو ضيغمُ
سمحٌ عطوفٌ ذو وقارٍ مؤمنٌ     ***        عَفٌّ تقيٌّ زاهد وغَطمْطَمُ
بكت الجزيرةُ بعد فقدك يا أبي    ***       بطحاؤها ووهادها والأنجمُ
 ورثتك حلْقات المساجد حسرةً     ***    أنَّتْ وأضحتْ بالنشيج تُغمغِمُ
 ونعاك أهل العلم أنت إمامهم     ***      أنت الفقيهُ وفي الحديث  مقدّمُ وأرى الفقير ينوح حين تركتَه *** وكذا الثكالى قد بكت واليُتَّمُ         

والأرض كلُّ الأرضِ قد فُجعتْ بمن   ***   هو للهدى والمكرمات المعْلَمُ
 إن غاب صوتك في الحياة فإنما       ***    ذكراك في كل القلوب تُزمْزمُ
بُوِّئت في دار النعيم منازلاً        ***         ووقيتَ ناراً جمرُها يتضرمُ
وسلام ربي يا فقيدُ عليكمُ         ***        ما ناح طير في الضحى يترنّمُ

رحمك الله يا أبا عبدالرحمن ، لقد أتعبت العلماء بعدك ...

فسلام الله عليكم يوم ولدت ، ويوم متَّ ، ويوم تبعث بين يدي ربك ...

وجزاك الله عن أمة محمد خير الجزاء وأوفاه وأسناه وأعلاه ، وجمعنا بك في دار النعيم المقيم إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.    عبدالله بن محمد العسكر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود – فرع الخرج    alaskar5@gmail.com   لجينيات http://174.120.81.100/index.php?action=showMaqal&id=8946