جاءَ من المدينة النبويَّة للتوِّ، وقَبِل دعوةً كريمة؛ ليُلقيَ محاضرة في قاعة إحدى المدارس الكبرى بجدة، والتي كان يُقام بها درسٌ عِلميٌّ أسبوعيٌّ.
وافق الشيخُ ابن جبرين - رحمه الله - مع ارتباطه الشديد، وتعنَّى ليُلقيَ على أكثر من 500 امرأةٍ محاضرةً قَيِّمَة مرصَّعة بآيات الله البيِّنات، مُدعَّمة بأحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - تُفيض نُصحًا ولُطفًا وتوجيهًا للمرأة؛ لتكميلِ مقامات العبوديَّة لله - جلَّ وعلا - وتوعيه بدَورها ومسؤوليتها وحقوقِها، لقد كانتْ فريدة، أتدرون لِمَهْ؟ لأنَّ الداعيةَ التي كانتْ تُلقي دروسَها المنتظمة في نفس القاعة كانت قد ألبستِ الشيخ - رحمه الله - عباءةَ التحزُّب، ورمتْه لدى خواصِّ تلميذاتها بألوان التُّهم! ولكنَّ الجميع استمعَ إلى الشيخ - رحمه الله - بإنصاتٍ عجيب، وحُقَّ له ولنا. قبلَ انتهاء المحاضرة جُمعت الأسئلةُ من الحاضرات، وكانت كثيرةً جدًّا لم يَتسنَّ فرزُها جميعًا، وما زالتِ النساء يبعثنَ بأسئلتهنَّ، واستمرَّ في الإجابة عن الاستفسارات والأسئلة قُرابةَ الساعة، سوى المحاضرة التي استغرقتْ نحو الساعة والنصف، لقد تأخَّر عن موعده المحدَّد بأكثر من نِصف ساعة، حتى توقَّف مَن يقرأ الأسئلة طالبًا من الشَّيخ أن يغادروا؛ ليلحقوا بموعدِهم، فقال الشيخ: لا بأسَ، هؤلاءِ نساءٌ، وحقُّهنَّ علينا كبير، وواصل والنساء يبعثنَ بأسئلتهنَّ التي حُجزت بعضُها رأفةً بالشيخ، هذا هو الشيخ مُقدِّر النِّساء، مقبل على تعليمهنَّ ومُعتَنٍ بهنَّ - رحمه الله. فَعَلَتْ مكانتُه في نفوس الحاضرات في نفس المكان الذي أُسِيء إليه فيه. بعدَها بعام أُعلن أنَّه سيُشارِك في الدورة العِلميَّة الصيفية، التي تُقام كلَّ عام في جامع الملك سعود بطريق المدينة الطالع بجدة. فسررتُ أيَّما سرور، حضرتُ فوجدتُ الجامع ممتلئًا بالنسوة، رغمَ أنَّه الأسبوع الخامس من الدورة، حيث اعتدْنا أن يقلَّ عددُ الطلاَّب والطالبات كلَّما طالَ الأمد. شرَح جزءًا من كتاب التوحيد للعلاَّمة المقريزي، وجزءًا من أخصر المختصرات لابن بلبان الحنبلي - رحم الله الجميع - بعدَ الفجر مدَّة أسبوع كامل. كان شرحُه للتوحيد يستقرُّ في النفس دون أن يحتاج إلى تقييد كراريس، وتوضيحُه للفِقه ما فتحتُ كتابًا في الفِقه إلاَّ وأذْكُر طريقتَه الميسَّرة المتفنِّنة. وإذا قيل له: هذا سؤال من إحدى الأخوات أولاه عِنايةً في تفصيل الجواب، والاستدلال والسبر والتقسيم؛ ليُشعرَ المرأة أنَّها مهمَّة، وأنَّها أختُ الرجل في طلب العِلم وغيره؛ مؤتسيًا بالنبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - عندما أقبلَ على النِّساء، وخصَّص لهنَّ يومًا يُعلِّمهنَّ ويُفقههنَّ فيه، كما كان يُخصِّص لهنَّ حديثًا في خُطبة العيد. وإنَّا لنأمل أن يُنشرَ نِتاجُ الشيخ بشكل أوسعَ، فحتى الآن لا ندري عن اكتمال بعضِ السلاسل، كـ"شِفاء العليل شرْح منار السبيل"، ونحوه. كما نأملُ أن يُطوَّر موقعُ الشيخ - رحمه الله - ليضمَّ شروحاتِ الشيخ الصوتيَّةَ، مخرجة على هيئة كتب رقميَّة، كذا مجموع فتاواه. رَحِم الله الشيخَ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، وجزاه خيرَ ما جزى عالِمًا عن أمَّته، وأخلف للأمَّة بخير، وخَلفَه في أهله بخير. حواء بنت جابو آل جدة http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=5336