سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين بقية من بقايا السلف الصالح ووعاء من أوعية العلم الشرعي، هو باختصار من رواد النهضة العلمية المعاصرة وأكبر شاهد على هذه الحقيقة الواقع، الذي يتمثل في خمس وسبعين سنة من عمره، عمرها بالعلم تعلما وتعليما في جد وجلد واحتساب.
ويشهد له الحقيقة حضوره العلمي والدعوي في المسجد والمحاضرة واللقاء ودار الإفتاء والكلية والجامعة والمعهد.
ويشهد لهذه الحقيقة عشرات الآلاف بل مئات الآلاف وبلا مبالغة من طلابه الذين نهلوا من علمه ودرسوا بين يديه خلال خمسين عاما جابوا الديار وتفرقوا في الأمصار، وفدوا إليه وجلسوا بين يديه ونهلوا من ميراثه وها كثير منهم في بلدانهم وأقطارهم يعلمون من علمه.
يشهد لهذه الحقيقة الثقة التي تضرب أطنابها في جميع أنحاء المعمورة بفقه وفتوى ابن جبرين.
يشهد لهذه الحقيقة أيضا كتبه وشروحه مطبوعة ومسجلة ومرئية التي هي لطالبي العلم منية الراغبين ودليل السالكين.
ويشهد لهذه الحقيقة تاج هذا العلم ونوره ووقاره وهو ما كسا الله به الإمام وزكاه به من أخلاق العلماء العاملين الربانيين.
تجلس مع العلامة فلا تدري بم تشتغل متأملاً، لأن كل ما فيه يأسرك: سمته وصمته، ورعه وزهده، تواضعه وبذله، حلمه وعلمه، حفظه وضبطه، موسوعيته في كل الفنون شريعة ولغة وأدباً وتأريخاً وأنساباً.
ائتوني بمكتب للدعوة أو جامعة أو ملتقى في أنحاء المملكة طلب من العلامة ابن جبرين درسا أو دورة أو لقاء أو محاضرة فاعتذر منهم، حسبه أن الفيافي والقفار والمدن والمحافظات والقرى، وحتى شاهقات الجبال تشهد له أنه وطأها باذلاً للعلم.
ما تبصر الشيخ بعينيك إلا وترى صبره وجلده وعظيم بذله، ما فتر عن بذل العلم حتى أقعده المرض غير قادر، أما مع قدرته فقد كان يخرج من المستشفى لدروسه.
نبوغ الشيخ العامة وتميزه لم يكن لمجرد العلم وإن كان أصله فكثير من الناس يوفق لكثير علم، لكن الشيخ وفقه الله لصبر وجلد وهم عظيم في تبليغ العلم.
وقبل أن أوقف المداد أسجل هنا وقفات من وحي الحدث:
أولها: أن الشيخ قدم لربه وهو أرحم به منا وهو محسن، نرجو له ما عند الله من الخير، وندعو الله أن يبلغه المنازل العالية وأن يجمعه بمن أحبهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وثانيها: عن موت العلماء ثلمة ولا شك لكنها لا تبعث اليأس ولا القنوط، ولكنها تبعث في نفوس المهتمين والمعنيين بشأن الأمة التفكير الجاد في سد حاجتها بصنع العلماء الربانيين الذين يبلغون عن الله ورسوله.
وثالثها: ابن جبرين لم يكن إبداعه وتميزه من فراغ ولكن بتوفيق ولجوء وتضرع وإنابة وأيضاً جهود تضافرت لصنع المتميزين والأعلام المبدعين.
فوالده الشيخ عبدالرحمن بن جبرين -رحمه الله- من أهل العلم، وحمل هم ابنه في تربيته العلمية، فعلمه بنفسه، وأورده مجالس العلم على صغر، فبلغه الله من الخبر مناه في ابن هو مفخرته، وله أجره ما انتفع بعلمه إلى يوم القيامة.
ابن جبرين خرج من بيت أب حمل هم ابن ليكون شامة وهامة وقامة، وشيوخه علماء مخلصون كان من أبرز خلالهم عنايتهم بطلابهم، خصوصاً المبدعين والموهوبين منهم، وحين يحدثك ابن جبرين عن شيوخه:
العلامة عبدالعزيز الشثري أبو حبيب
والعلامة محمد بن إبراهيم
والعلامة عبدالعزيز بن باز رحمهم الله أجمعين
تدرك عظم أثر أهل العلم الربانيين العاملين في بناء مدارس تحيى وتبقى بعد موتهم، فلقد كان همهم إعداد وتخريج جيل من أهل العلم، ويكفيهم ابن جبرين فخراً، وهي ذكرى للقائمين على التعليم والتعليم العالي في مملكتنا الطاهرة وفي كل بلاد الإسلام أن يعنوا بالعلم الشرعي والرفع من قدره واستقطاب المبدعين والنابغين والنابهين وتفريغهم وتحفيزهم.
وتذكير بوجوب عناية الأمة بحفظ العلم عبر كليات الشريعة المتخصصة، فالعلم الشرعي ضرورة الأمة كالماء والهواء، والواجب على الأمة العناية بالعلم لإخراج أجيال من أهل العلم المتميزين لمسيس حاجة الأمة لهم، فهذا قدرها وهذا فخرها وهذا شرفها.
كما أني أهمس بكلمة للمراكز والبرامج المعنية بالموهبة والموهوبين ورعايتهم، فأقول ليكن من برامجكم برامج متميزة في العناية بطلبة العلم الشرعي ورعايتهم، فمن الخلل أن يكون مفهوم الموهوب والموهبة لمن يجيد بعض الأمور الدنيوية - مع أهميتها - ويسلبها من أعظم ما يحتاجه الناس إليه في أمر دينهم برعاية ممن يحفظون للأمة دينها وعصمة أمرها.
وهو تذكير للمعنيين بشؤون المساجد أن يستشعروا دور المسجد في تعليم العلم الشرعي فمن المسجد انطلق العلم ومن جامعة المسجد تخرج سادة الدنيا فهو المحضن الأول للعلم، فيجب أن يكون الجهد والبذل مؤصلا ومدروسا ومبرمجا ومؤطرا ليكون المسجد هو الجامعة العلمية كما هو في عهد النبوة والخلافة الراشدة.
وتذكير للمحسنين وأهل المال ليتذكروا دورهم في الإنفاق في نشر العلم الشرعي وتفريغ طلابه وكفايتهم مؤونتهم وسكناهم وإنشاء المدارس والكليات المتخصصة في العلم الشرعي والإيقاف عليها.
وأقول أخيراً لكل من أثنى على الشيخ وغبطه وخصوصاً الشباب: دونكم الطريق فهي سالكة وليست بحمد الله حكراً على أحد.
ارفعوا هممكم وجدوا في طلب العلم الشرعي فما تعبد متعبد لله بعد الواجبات بمثله.. رحم الله شيخنا
ولكن حسبنا أنه ذهب إلى رب كريم أسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويعلي منزلته آمين.
د. عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم العويد
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة القصيم
http://www.al-jazirah.com/87018/rj4.htm