header

منصور البراك : مواقف وعبر من حياة ابن جبرين رحمه الله


ردة الفعل الكبيرة، وأثر الصدمة العميق، وعظم المصيبة التي عمت كل المسلمين لوفاة العالم الجليل والشيخ الكبير سماحة العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقاً هي الأمر المتوقع حيث كان الجميع يتابع حالته المرضية خلال الفترة السابقة بكل اهتمام فقد كانت حياته رحمه الله مليئة بالدروس والعبر والمواقف التي تستحق أن تسجل وتحفظ لتكون علامات مضيئة لكل من ينشد الرفعة والعزة في الدنيا والآخرة.
لقد عاش رحمه الله حياة بسيطة يلفها التواضع، ويصبغها الرفق، ويلونها العلم، ويحيطها خدمة المسلمين في كل أنحاء الأرض.. وحيث إنني وقفت على عدد من المواقف منها المباشر مع الشيخ رحمه الله وأخرى عن طريق الرواية المباشرة لمن عايشوا الشيخ وكانوا قريبين من تلك المواقف ليستفيد منها كل ذي لب:
- من المواقف المباشرة عندما كنت محرراً صحفياً في جريدة اليوم في العام 1416هـ كنت أطرح بعض الموضوعات التي أرى أن القارئ يحتاج إليها وأعد حولها مجموعة من الأسئلة وأحملها إلى مكتب الشيخ الذي يقوم بالإجابة عنها والعبرة في ذلك أنه رحمه الله كان يفضل أن يقوم بتفصيل الإجابة كتابة بيده وبخط واضح رغم إمكانية أن أسجل إجاباته أو إنابة من يكتب عنه ولكن حرصاً منه رحمه الله على نفع المسلمين ومازلت أحتفظ بنماذج منها حتى الآن.
- ومما يرويه مدير مكتب سماحة الشيخ في ذلك الوقت في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء الأستاذ عبدالله الحوطي عن رحلات سماحته في جنوب المملكة لإلقاء المحاضرات في القرى والهجر حيث يعود الشيخ مع مرافقيه حوالي الساعة العاشرة ليلاً ليتوجهوا إلى النوم مباشرة نظراً للإرهاق والتعب من البرنامج اليومي للتنقلات بينما يعود الشيخ رحمه إلى الصلاة والتدوين والتفرغ للعبادة!
- ويروي أحد جيران الشيخ الأستاذ راشد الخضير عن لقاء جيران الحي الذي يقطنه الشيخ والذي يقام بشكل أسبوعي حرص الشيخ على الحضور والعجيب أن الشيخ لا يحاول الاستئثار بالحديث بل يدع المجلس على سجيته في تبادل الأحاديث دون أي رسمية أو انضباط يتنافى مع طبيعة هذه اللقاءات الودية الاجتماعية رغم ما عرف عن الشيخ من جدية في طلب العلم وصبر يقل نظيره ودأب لا يطيقه إلا من وفقه الله! فقط يجيب على على طرح الأسئلة والاستفتاءات التي قد يوجهها أحد الجيران بين الفينة والأخرى، وهذا من فقهه رحمه الله.
- ويذكر أحد طلاب الشيخ رحمه الله الشيخ إسماعيل الرميح أنه كان يحضر درس الشيخ بعد صلاة العشاء ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة والشيخ لا يكل ولا يمل من قلة الحضور بل يواصل الدرس ويستمر دون أي شكوى من قلة الحضور بل همه إفادة من يحضر ولو كان شخصاً واحداً.
- ومن المواقف التي يذكرها منسوبو السنترال في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء هي أن الشيخ كان لا يغادر مقر العمل حتى تنقطع اتصالات المستفتين ولذا كان منسوبو السنترال يتناوبون على البقاء بعد نهاية الدوام يومياً حتى يخرج الشيخ بعد أن تنقطع اتصالات المستفتين في وقت متأخر!
- أيضاً مثل موقف الشيخ قبل سنوات عند وفاة زوجته يعد درساً عظيماً في الحرص على إفادة المسلمين والشعور بالمسؤولية في أصعب المواقف حيث تفاجأ منسوبو الإفتاء بحضور الشيخ في اليوم التالي لمباشرة العمل وخدمة المسلمين.
- ومن الأمور التي تعزز وتثبت ما قلناه من حرص الشيخ على طلب العلم وإفادة طلابه وهذا يعرفه القريبون منه ما ذكره الشيخ فهد الغراب إمام جامع شيخ الإسلام ابن تيمية والمشرف العام على الدورة العلمية التي تقام سنوياً في الصيف في الجامع والتي وصلت إلى السنة السادسة عشرة وكانت هي نقطة البداية والبذرة الرئيسة لانطلاقة الدورات العلمية في أنحاء المملكة، حيث يقول الشيخ فهد: إن الشيخ رحمه الله كان رقماً مهماً في هذه الدورات منذ بدايتها ولم يتخلف على مدى أربعة عشر عاماً إلا في هذا العام بعد أن أصابه المرض رحمه الله. كما أن الشيخ رحمه الله رغم كبر سنه ومشقة الترحال عليه إلا أنني ومن متابعة لإعلانات الدورات العلمية في داخل الرياض وخارجها كان دائماً يشارك ويلقي الدروس ويتغلب على ظروفه حرصاً منه على خدمة طلاب العلم في العقيدة والفقه وغيرها من علوم الشريعة.
- وأختم بما ذكره خطيب جامع المقيرن بظهرة البديعة فضيلة الشيخ الدكتور ماجد آل فريان أن ما أحدثته وفاة الشيخ من فاجعة عظيمة ووقع أليم على عموم الناس هو تقدير علماء الدين الذي لم يحظ بمثله أحد من العلماء بأي علم من العلوم الأخرى.
  منصور البراك
barakm85@hotmail.com
http://www.al-jazirah.com/104890/fe5.htm