لقد أجمع أهل الفقه والرأي بأن ابن جبرين إمام من أئمة السنة, وفقيه من فقهاء الملة, وقد حكى هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم.. بل ذهب المحققون منهم إلى أنه كان مكتبة علمية متنقلة, تنير العقول, وتهدي الحائرين, كما كان ـ رحمه الله ـ آية في التواضع, ونبراساً في الزهد والورع! ومع هذا كله, فلم يكن تواضعه وزهده وورعه متكلفا, بل كان على السليقة, وهذا الذي تنقطع دونه الهمم والنفوس..! ولأن للشيخ هذه الصفات الاستثنائية, فقد أمّه الناس من كل ناحية, وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم! بل أضحت فتاواه من العيار الثقيل, أعني في تأثيرها, وثقلها, وقبول الناس بها, وصدورهم عنها, وهذا شأن العالم الرباني الذي يأسر النفوس بعلمه, وصفاته الحميدة, فلم يكن من الذين يقولون ما لا يفعلون, بل كان ـ رحمه الله ـ من الذين يفعلون ثم يقولون, فكان فعله يسبق قوله, وهذه علامة الصدق مع الله ومع الناس.. وقد كان له ـ رحمه الله ـ جَلَد عجيب في طلب العلم, وتحصيله, ثم في تعليمه, وبذله لطلابه, حتى إنه من أكثر مشايخ هذه البلاد دروسا في المساجد, حيث كان يُقْرأ عليه في الأسبوع الواحد أكثر من أربعين كتابا, وفي علوم متنوعة...! فأصبح بحق جامعة علمية متنقلة بالمجان. ومن حرصه على العلم وتحصيله أنه كثيراً ما كان يتردد على أهل العلم, ويتودد إليهم, ويتواضع لهم, ومن هنا كانت علاقته بالشيخ عبد الرحمن بن قاسم, وكان للشيخ ابن جبرين عليه أيادٍ بيضاء, ومن تلك الأيادي: 1- أنه قام ـ رحمه الله ـ هو والعم سعد بمقابلة بعض كتب الجد رحمة الله عليه, ومنها : حاشية كتاب التوحيد, والإحكام شرح أصول الأحكام الجزء الرابع منه, وذلك في عام (1396هـ). أما الجزء الأول والثاني والثالث من الإحكام فقد طبعت في أثناء حياة المؤلف رحمه الله... 2- كما قاما جميعا بمقابلة ومراجعة حاشية الروض المربع (التي أصبحت بعد ذلك من المقررات الرئيسة في كليات الشريعة), مع مقابلة الروض المطبوع على الروض المخطوط, منذ عام 1397, وحتى عام 1400هـ, أي لمدة أربع سنوات. وكانا يقومان بالمقابلة والمراجعة في جامع الأمير ناصر بحي دخنة, وذلك من صلاة العصر إلى صلاة المغرب, وأحياناً يجتمعان يوم الخميس في بيت الشيخ ابن جبرين, حتى أنهيا الكتاب, وهيآه للطباعة, وبهذا كان للشيخ ابن قاسم سبق التأليف, وكان لهما سبق المراجعة والتصحيح. 3- كما شارك الشيخ ابن جبرين في وضع فهارس مجموع الفتاوى مع العم محمد بن قاسم رحمة الله عليه, وكان ذلك في مكة المكرمة. 4- بل قام الشيخ ابن جبرين بجهد مشكور في مقابلة نسخ مجموع الفتاوى وقت إعدادها للطباعة مع مجموعة من المشايخ منهم الشيخ غيهب الغيهب ـ حفظه الله ـ, والشيخ سالم الدخيل ـ رحمه الله ـ, والعم محمد بن قاسم, والوالد ـ رحمهما الله تعالى ـ جميعا.. لقد تميز الشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ بمحبة الناس له, كباراً وصغارا, طلاباً ومستفتين, حتى كان الشيخ دوما محاطاً بشريحة واسعة من المحبين والمستفتين, وكانت فتاواه محل حفاوة وقبول للقاصي والداني, كما كان يتمتع بجرأة في كلمة الحق, لا يخشى في الله لومة لائم, ولهذا كان من أبرز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في عصرنا الحاضر, وكان الكثير من الغيورين يبحثون عنه ويسألونه حينما تنزل نازلة, أو يحصل منكر ما, فيسارع ـ رحمه الله ـ بكل ما يستطيع من واجب الإنكار, سواء بمخاطبة المسئولين, أو بإصدار الفتاوى التي تبين الموقف الشرعي من النازلة, وقد كانت له فتاوى واضحة ضد بعض أصحاب المعتقدات الفاسدة, فابتلي بسبب هذه الفتاوى حتى وهو على فراش المرض, من أمثال الدعوى (النازية) التي رفعت ضده وهو في مستشفى بـ(ألمانيا)؛ بهدف مقاضاته هناك, ومحاولة منعه من الرجوع إلى بلده؛ بحجة الدفاع عن الحريات وكرامة الإنسان كما زعموا, وهم يدوسون الحرية والإنسانية ذاتها بمخاصمة الشيخ على فتوى تقتضي حرية الكلمة أن تكون محل احترام وتقدير, ويستهدفون بهذه الدعوى القذرة الإنسان المريض وهو على فراش المرض, فأي حرية ينشدونها, وأي إنسان يتحدث عنه هؤلاء؟!! إذا كانوا يستهدفون الإنسان, العالم, الكبير السن, وهو على فراش الموت..!! هل هذه معالم الحرية والإنسانية التي يدعون الدفاع عنها, أم هي توظيف للقضاء وللعدالة لتكميم أفواه العلماء, وإهدار إنسانيتهم وهم يصارعون المرض..؟!! لقد أبى هؤلاء إلا أن يرفعوا من مقام الشيخ وهو على فراش المرض, وأن يسلطوا أنظار العالم إلى فتاواه العابرة للقارات, وأن يتشرف البرلمان الألماني بتعطير أجواءه باسمه الكبير..! ثم جاءت حادثة قتل مروة الشربيني في المحكمة الألمانية لتكشف عن حقيقة بعض العناصر المتطرفة التي تعيش في ألمانيا..! ومنهم رافعو الدعوى القضائية ضد الشيخ, لتكشف بأن القاتل والمدعي وجهان لعملة واحدة..! وأن الشيخ قد استُهدف في حريته كعالم, كما استُهدفت مروة في كرامتها كمحجبة, وهذه المحاولة اليائسة للنيل من الشيخ وتشويه سمعته, تذكرنا بما نال نبي الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حملات التشويه والكراهية والرسوم المسيئة, والتي ما زادته إلا رفعةً في الدرجة, ورغبةً من العالم الغربي للتعرف على شخصيته, وسيرته, والاهتداء بهديه, والدخول في دين الله أفواجا..! وبموت الشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ طويت صفحة بيضاء من صفحات التاريخ, وسيظل أثرها باقياً ـ بإذن الله ـ بما خلفه الشيخ من طلاب بررة, ومن كتب وفتاوى علمية ستظل محفوظة ومحفورة في الأذهان, ويتأكد الواجب على أقارب الشيخ وطلابه ومحبيه, أفراداً ومؤسسات, بأن يهيئوا البنية التحتية, والأرضية المناسبة, لإبراز جهوده وعلمه للعامة وللمتخصصين, مستفيدين من وسائل التقنية الحديثة قدر الإمكان, وهم بإذن الله تعالى على مستوى المسئولية.. اللهم تغمد الشيخ بواسع رحمتك, وارفع درجته في المهديين, واجعله في عليين, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, آمين يا رب العالمين. كتبه: يوسف بن أحمد القاسم موقع الفقه الإسلامي http://www.islamfeqh.com/News/NewsItem.aspx?NewsItemID=1780