header

أبو معاذ القحطاني


الحمد لله وكفى و صلي اللهم وسلم على نبينا المصطفى و آله وصحبه أجمعين . . .
أما بعد :

قصتي مع شيخي طويلة بل وطويلة جدا , كيف و هي مسيرة عشر سنين ,,,
و لكن حسبي وقفات و مقتطفات من حياة شيخ وعلم في العلم الشرعي و التربية الجادة و القدوة الحسنة بالفعل و القول . . .

قصتي مع شيخي بدأت في عام 1420 هـ عندما ذهبت للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله للطلب منه أن يسمح لي بالقراء عليه من كتب و رسائل أهل العلم , لأخذ شرف القراءة على الشيخ , فعندما عرضت عليه المرة الأولى فاعتذر بابتسامة المتواضع ( التي لا أنساها أبدا و هي في مخيلتي و أنا أكتب هذه السطور ) ، لكن حبي من قرب الشيخ جعلني أصر على أن أكون أحد طلابه ، فحاولت المرة و الأخرى ، وكان الرد كسابقتها , و والله إني أعذره مما أراه من ضيق وقته , ولكن كلما رأيت شيخنا أزداد حبي له و قربي منه , ومع هذه المحاولات كلها للقراءة عليه إلا أن شيخنا يعتذر , إلى أن من الله تبارك وتعالى في آخر مرة وقال شيخنا : سيكون الدرس بعد صلاة العصر معي في البيت و أ حضر كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل ,فحضرت على الموعد و قرأت عليه الكتاب كاملا مرتين على فترات ، ثم أتبعته بكتاب السنة للأمام البربهاري, ثم قرأت عليه بعض كتب أهل العلم وبعض الرسائل منها كتاب الموقظة في مصطلح الحديث للإمام الذهبي و عمدة الأحكام في الحديث لابن قدامه , أما في الدروس العامة فقرأت عليه بعض رسائل و كتب العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي في الفقه و أصوله و كذلك الحائية و كذلك باب الفتن في صحيح البخاري إلى غير ذلك من كتب و رسائل أهل العلم . . . .

لكن ليس من المهم ما اكتسبت من شيخنا من العلم بقدر ما اكتسبت من الأخلاق الحميدة , و الصفات النبيلة ,و ليس لأحد من عامه الناس إلا و يعلم إن للشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله أخلاق حميدة . كنت أسمع من تواضع وسماحة شيخنا المواقف الكثيرة و أحفظها وكنت أتمنى أن يحدث لي موفقا واحدا من ذلك مع شيخنا ، فعندما لازمت الشيخ لا أستطيع أن اذكر موقف واحدا ! ! ! من كثرة تلك المواقف النبيلة في التواضع و التسامح والرفق و البشاشة و أخذ الأمور ببساطة تاااامة إلى غير ذلك مما يتحلى به شيخنا من الصفات , لكن حسبي أن اذكر بعض المقتطفات مما رأيت بعيني وسمعت بأذني من صفات شيخنا الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله تعالى , ، ،
و ما كان لي أن أقول تلك الموافق إلا براَ و وفاءا لشيخنا فرحمه الله رحمة واسعة , , ،
و من تلك المواقف ما يلي :

1 / كان الناس يزدحمون على شيخنا إذا سمعوا بقربه من بين سائل و شاكي و مستفيد و كثير من الناس يسلم على الشيخ ، و لك أن تتخيل ما الزحام الشديد على الشيخ ؟ فكل يريد أن يقبل رأسه حتى أن الشيخ كان يقول لي : أجلس أحيانا ثلاث أيام أعالج رقبتي مما أجد من الآلام من كثرة ما يشد الناس رقبه الشيخ ليقبل رأسه ... فتأمل صبره

2/ إذا رأى شيخنا الطفل الصغير نزل له و قبله و يسأله و يتحدث معه قليلا ... فتدبر

3/ كان يهتم بطلابه و تلاميذه ، فكان إذا قدم إلى الدمام في دورة علمية أو محاضرة و كان في وقت سعة لبى ضيافة طلابه ، و يقدمهم على أصحاب المناصب و الرئاسة . . .

4/ إذا رأى الشيخ طلابه الذين يقرؤون عليه قد أتوا من مكان بعيد أو بعناء شديد زاد لهم في وقت الدرس ، و كذلك يعطيهم وقت آخر في نفس اليوم ، بكل تواضع و بساطة ، و والله ما زاده ذلك إلا حبا له و رفعة في قدره عند طلابه ،،،
زاده الله رفعة و مكانته عند ربه ... فتفكر

5/ أحيانا ينتهي من درسه و يقول لبعض طلابه : هل عندك من شغل أو تذهب معنا إلى درس آخر أو محاضرة أو استضافة أو زيارة . . . فكنت ممن أصطحبه في مركبته ..

6 / لا أتي شيخنا في درس إلا على موعد مسبق , و والله لم يتخلف عن موعدي أبدا , حتى إنه كان لي موعد معه في أحد المرات بعد صلاة الظهر , وكانت هناك جنازة أحد المشايخ أو الأقارب ــ نسيت جنازة من !! ــ فأخبرني قبل أن يذهب إلى الجنازة أنه سيتأخر علي قليلاَ فذهب مع الجنازة و رجع بسرعة ، و العجيب أنه يعتذر عن تأخره البسيط الذي لا يذكر أبدا . . . فتدبر ذلك .

7 / و من تواضع الشيخ ، إذا انتهت الدرس في بعض الأحيان جلس يتحدث و يخبر عن مسيرته العلمية منذ نشأته إلى أن درس في المدارس النظامية و أكمل تعليمه إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه ، إلى غير ذلك من المواقف في حياته . فلم يكن درسه علمي فقط بل تربوي . .

10 / كان شيخنا شديدا على أهل البدع , ولا يخاف في الله لومة لأئم , و كان الشيخ يجيب في مسائل العقيدة ، بعقيدة صافية لا شوب فيها , خاصة في الطوائف الضالة ( كالرافضة , و الصوفية . . . وغيرهم ) و يسأل عن حال الرافضة في المنطقة الشرقية , من شدة اهتمامه و متابعته لمستجداتهم و الردود عليهم و على شبههم ، لتبصير الأمة في عقيدتها . . .

11 / كان من اهتمام الشيخ بطلابه , كان يهدي لهم مؤلفاته و مؤلفات أهل العلم , و أحيانا يشكل علي مسألة عقدية أو فقيهة فلا يجيبني بل يهدي إلي كتاب و يقول لي : أقرأ هذا و سيجيب على سؤالك . و هذا ديدنه مع طلابه . .

12 / في بعض الأحيان يأتي ذا الحاجة و يسأل الشيخ من الصدقات ( إما في بيته أو بعد درس أو بعد محاضرة أو وهو ذاهب إلى المسجد ) ، فيعطيه الشيخ ما تجود به نفسه ، فالشيخ سخي في صدقاته , فقد رأيت ذلك منه كثيرا . . .

14 / لقد عرف شيخنا أنه يبذل وقته للدروس و إفادة الناس و طلبه العلم و لا يكل و لا يمل , فكنت آتيه في نهاية الصيف دائما و يهل و يبش بوجهه المليء بنور الإيمان ، ثم يتحدث عن رحلته في الصيف و ذهابه إلى مناطق المملكة العربية السعودية , فكنت أعجب أشد العجب من صبره على قطع تلك المسافات , فأقدر تلك المسافات بدون مبالغة لا تقل عن 10،000 كم يقطعها الشيخ و هو صابر محتسب . . . فتأمل يا رعاك الله !!! شيخ كبير ، عالم جليل ، يأتي الناس إلى مناطقهم وقراهم ، ليعطيهم من علمه . . . ما أشده من تواضعه..

15 / لم أرى الشيخ طيلة ملازمتي له غاضباَ أبدا أبدا ، إلا إذا انتهكت محارم الله ، فإنه يغضب غضبا شديدا . . .

16 / و أ خيرا . . . .
زاد حزني عندما سمعت عن مرض الشيخ الأخير و معاناته ، و كان صابرا على ما قسمه الله له، كنت أزوره في مستشفى الملك فيصل التخصصي ـــ و هذا أقل الواجب ـــ و كنت أرى الزحام الشديد , حتى علمت أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظة الله زاره و كذلك بعض الأمراء . . .

السؤال الذي يطرح نفسه ! ! ما الذي جعل الناس يتركون أشغالهم و أمورهم المهمة و يذهبون لزيارة الشيخ عبدالله الجبرين ؟ ؟ ؟ أترك الجواب لك

و لم يكن لي في هذا الوقت إلا الدعاء للشيخ بالشفاء العاجل ، إلى أن جاء نبأء وفاة الشيخ ظهر يوم الاثنين

ملاحظة / لم أكن لأكتب هذه السطور و اذكر الصفات النبيلة لشيخي ، إلا اقتداء بشيخي الشيخ عبدالله الجبرين رحمه الله، لأنه كان من صفات الشيخ أنه كان يتحدث و يذكر سيرة مشايخه برا ووفاءا لهم و رد الفضل لله ثم لهم , و نحن نرد الفضل لله تعالى ثم لشيخنا ...
اللهم اغفر للشيخ عبدالله بن جبرين , و تجاوز عنه ، ورفع درجته في عليين مع النبيين و الصديقين و الشهداء . . . آ مين ، ، آمين ، ، آمين ، ،

كتبه أحد طلاب الشيخ عبدالله الجبرين
ابو معاذ القحطاني