header

رياض المسيميري :

علامة الدنيا يودع الدنيا

يهتز القلم بين أناملي ويعتصر القلب وتذرف العين وأنا أخط مقالة أنعي فيها علامة الدنيا وأعجوبة الزمان وجبل الحفظ ومعدن التواضع .

يهتزل القلم بل يرتجف وأنا أكتب عن شيخنا الراحل ابن جبرين – رحمه الله – الذي كان بعد الشيخين : ابن باز وابن عثيمين عزاؤنا وبلسم قلوبنا ، فنبكي على الشيخين حتى تخضل لحانا ثم نتذكر ابن جبرين فيهون مصابنا ؛ لأننا كنا على يقين بأن الشيخ الفقيه لديه من العلم والبصيرة وحسن الرأي ما لا يقل عما لدى الفقيدين ابن باز وابن عثيمين .

أما اليوم فقد انفرط عقد الثلاثة الكبار ، وغاب العمالقة الأقمار ، فإلى الله المشتكى وعليه التكلان وهو المولى والمستعان .

رحل الشيخ بعد أن أتحف طلابه ومحبيه والعامة والخاصة بدروسه ومحاضراته وخطبه ودرره وفوائده ، وملأت أشرطته السمعية ودروسه المسجلة مشارق الأرض ومغاربها وأفاد منها الملايين فلم يكن لدى الشيخ وقت ينفقه في غير العلم والدعوة والاحتساب والتوجيه فدروسه ومجالسه العلمية ومحاضراته ومناقشاته على مدار اليوم والليلة فما أعظم أثره وما أجل عطاءه وأبركه!

وهكذا دائما الكبار لا وقت لديهم يضيعونه في قيل وقال، ولا استعداد عندهم كي يتنازلوا عن مبادئهم وعقائدهم أو يساوموا على أخلاقياتهم وفضائلهم فضلا عن أن يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا!

وإن هول الفاجعة التي حلت بالأمة كلها والوجوم الذي أصاب القلوب واعتلا الوجوه ليؤكد أن القبول والرضا إنما يلازم العلماء الراسخين والدعاة المخلصين حتى وإن تجاهلهم الإعلام أو حط من شأنهم سفهاء الأحلام.

وفي هذا درس لأولئك اللاهثين خلف عدسات المصورين ظنا ووهما بأن ذلك كفيلٌ بصناعة مجد أو نيل جاه ولو غاب الإخلاص أو توارى حسن المقصد!

كما أن فيه درسا – وأي درس- بأن الأجل محتوم والعمر محدود وهو مصير كل حي طال الزمان أم قصر، وسواء عاش رأسا أم ذيلا وسيان أحبه الناس أم كرهوه، وسيفضي إلى ما قدم وسيقف بين يدي ربه ، وحينذاك يكرم المرء أو يهان ..

اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=14422&Itemid=25